وخامسة باعتبار عنوانه الخاصّ كالعدل والإحسان ومجازاة المسيء بالإحسان ، والظلم والعدوان ومجازاة المحسن بالإساءة ، فإن كلّ عاقل راجع وجدانه يجد أنّه بعقله أو طبعه يحبّ كلّ صفة كمال كالعلم وما يلائم طبعه وما يوافق غرضه أو مصلحته والعدل بعنوان كونه عدلا وغيره ممّا ذكر ، ويمدح على الجميع ويبغض أضدادها ويذمّ على الجميع ، والعقل ينتزع عن الأشياء بالمعنى الدائر بين الصفات والملكات والأفعال وما يعمّها باعتبار المحبوبيّة والمبغوضيّة أو إحدى الجهات المذكورة المقتضية للمحبوبيّة والمبغوضيّة مفهوما يعبّر عنه بالحسن أو القبح المفسّرين في الترجمة الفارسية ب « خوبي » و « بدي » ومعنى إدراك العقل للحسن والقبح حينئذ إمّا انتزاعه لذلك المفهوم أو انتقاله إلى المفهوم المنتزع الموجود في الذهن.
وإذا جاز ذلك الانتزاع أو الانتقال إلى المنتزع للعقل في نحو العلم والجهل ، وشرب الماء البارد مع شرب الدواء المرّ ، وقتل زيد لأعدائه وأحبّائه ، جاز في نحو العدل والإحسان ، ومجازاة المسيء بالإحسان ، والظلم والعدوان ، ومجازاة المحسن بالإساءة ، وإذا لم يجز في الأخير لم يجز في غيره والفرق تحكّم أو مكابرة.
ولعلّه إلى هذا البيان يشير ما عرفته عن العلاّمة من ذكر العلم والجهل في عداد أمثلة ما يحسّنه العقل ويقبّحه ، مع كونه من أمثلة ما يحسن عند العقل لكماله وما يقبح عنده لنقصه ، نظرا إلى أنّ وجه اعتبار الحسن والقبح فيما هو من محلّ النزاع هو وجه اعتبارهما فيما هو من غيره.
فإن قلت : وجه الفرق لعلّه أنّ انتزاع العقل لهما في غير محلّ النزاع إنّما هو لإدراكه الجهة المنتزع بها كملائمة الطبع ومنافرته وغيره ولو بمعونة الوجدان وعدم إدراكه لها في محلّ النزاع.
قلت : ـ مع أنّه ينتقض في نحو الصدق النافع والكذب الضارّ المعدودين عند العدليّة ممّا يحسّنه العقل ويقبّحه مع كون الجهة المقتضية للانتزاع فيهما إنّما هي جهة النفع وجهة الضرر وهما عند التحقيق من قبيل الأغراض ، فالأوّل يحسّن عند العقل لموافقته غرض العقلاء والثاني يقبّح لمخالفته غرض العقلاء ، وبه يتمّ المقصود بالاستدلال من إثبات الإيجاب الجزئي ـ أنّ هذا الفرق يبطله أنّ العنوان الخاصّ في نحو العدل والظلم أيضا ممّا يدركه العقل ولو بمعونة الوجدان ، كما أنّ كونه جهة للمحبوبيّة والمبغوضيّة واستحقاق