شيئا آخر في نفس تلك الأفعال كملائمة طبع أو موافقة غرض أو موافقة مصلحة ، أو حسن ذاتي أو وصفي أو اعتباري ولو باعتبار اشتماله على منفعة ، أو كونه بحيث يدفع به مضرّة.
وتوهّم لزوم الاضطرار حينئذ بناء على الوجه الثاني من وجوه تقرير الشبهة لكون الامور المذكورة للترجيح جهات غير اختياريّة.
يدفعه : أنّ مرجّحات الأفعال والتروك بالقياس إليهما في نظر الفاعل من قبيل الدواعي ، ومن شأن الداعي أن يدعو الفاعل المختار إلى اختيار ما هو راجح في نظره وإن كان مرجوحا بحسب الواقع ، ومن لوازم اختياره أن ينقدح في نفسه الإرادة الحتميّة المتعلّقة بإيقاعه المعبّر عنها بالعزم عليه ، بمعنى الجزم به في وقت له مدخليّة في تحقّق المرجّح ، فإذا أوقعه فيه لزمه وقوعه بوصف الوجوب الّذي لا ينافي الاختيار ، بل لكونه من آثار الاختيار يؤكّده ويحقّقه ، كما أنّه لزمه امتناع الطرف المقابل الّذي هو أيضا لكونه من آثار الاختيار لا ينافي الاختيار بل يؤكّده ويحقّقه ، لقضاء الوجدان الصريح بأنّه حال ظهور رجحان أحد الجانبين أو حال تردّده بينهما كان مختارا فيهما معا ، بل معنى تردّده قبل ظهور الرجحان أو بعده هو التردّد في اختيار هذا أو ذاك ، فهو بحيث في نفسه الاختيار وتردّده يكون في محلّ بروز ذلك الاختيار ، فكلّ من الوجوب والامتناع مسبوقان بذلك الاختيار مترتّبان عليه ناشئان عنه ، وهذا هو معنى ما اشتهر في حلّ الشبهة واعتمد عليه العلاّمتان وغيرهما من أنّ الوجوب بالاختيار كالامتناع بالاختيار ـ لا ينافي الاختيار بل يؤكّده ، وإنّما يلزم الجبر لو كان الوجوب لا عن قدرة واختيار.
ولا يتوهّم من بياننا هذا كون الإرادة الّتي هي شرط في وقوع الفعل الاختياري اضطراريّة ليتوجّه إلينا شبهة الجبر بالبيان الأخير ، لكون الإرادة أيضا كصدور الفعل اختياريّة ، فإنّ الفاعل المختار إذا راجع وجدانه عند التردّد بين الفعل والترك وتطلّب وجود الداعي إلى أحدهما كما يجد نفسه بصريح وجدانه مختارا في الفعل والترك كذلك يجده مختارا في إرادة الفعل وترك إرادته الّذي مرجعه إلى إرادة الترك ، ووجود الداعي في الحقيقة ـ على ما بيّنّاه مرارا ـ شرط لتحقّق الإرادة في نفسه باختياره ، وتحقّقها شرط لصدور الفعل منه باختياره ، فهو حال كلّ من وجود الفعل وتحقّق الإرادة مختار في كلّ من الفعل والترك وإرادة خلاف محلّ هذه الإرادة إلى أن يتشاغل بأحدهما بعد إرادة ذلك بعينه فيجب هذا ويمتنع الآخر ، إلاّ أنّه لا يختار ولا يريد إلاّ ما ساعد عليه الداعي وتعلّق به