منتف ، لعلم المكلّف بقبح الفعل المأمور به عند الآمر بواسطة استقلال عقله بإدراك قبحه ، ولئن صحّحنا تعلّق الأمر الابتلائي التوطيني بالفعل القبيح عند الآمر فإنّما هو فيما لا طريق للمكلّف إلى العلم بقبحه عنده كما في غير مستقلاّت العقل ، فهو في محلّ البحث محال.
وتوهّم وقوعه في قضيّة إبراهيم عليهالسلام ، يدفعه : منع علمه عليهالسلام بقبح ذبح ولده بالخصوص ، فإنّ ذبح الولد قد يحسن لبعض الجهات وبانضمام بعض الخصوصيّات ، كما أنّ الكذب مثلا يحسن لجهة النفع ، ويكفي في ارتفاع العلم بقبحه احتمال وجود جهة محسّنة له.
أو منع اعتقاده عليهالسلام بكون الأمر المذكور أمرا بأصل الذبح بل إنّما كان أمرا بمقدّماته وقد علمه عليهالسلام أيضا ، ولذا ترى أنّ المصنّف في مسألة الأمر مع علم الآمر بانتفاء الشرط أجاب بذلك عن استدلال القائل بجوازه بقضيّة إبراهيم عليهالسلام بتوهّم كونه أمرا بالذبح مع انتفاء شرطه وهو عدم النسخ.
ولو سلّم جواز ورود الأمر الابتلائي بالقبيح العقلي أيضا فهو لا ينافي ثبوت الملازمة الواقعيّة بين قبحه وبين وقوع الحكم الشرعي على حسبه ، فإنّ معناها كون الحسن أو القبح مقتضيا لوقوع الحكم الشرعي على حسبه بحسب الواقع ، بأن يكون حكما واقعيّا ، وظاهر أنّ الأمر الابتلائي على تقدير وروده بما حكم العقل بقبحه ممّا لا يرفع هذا الحكم الواقعي.
وتوضيحه : أنّ الأمر كائنا ما كان لابدّ وأن يستتبع حسنا ومصلحة مقتضية له ، إمّا في الفعل المأمور به كالأمر بالصلاة وغيرها ، أو في نفس الأمر مع خلوّ المأمور به عن المصلحة بالمرّة ، وذلك كالأمر المحمول على التقيّة على أحد القولين ـ وهو عدم كون التقيّة مصلحة في الفعل المأمور به بل هي مصلحة في نفس الأمر ، أو على أحد التقديرين وهو كون التقيّة قوليّة محضة. فالمصلحة حينئذ في الأمر ، لا على التقدير الآخر وهو كون التقيّة فعليّة ، لوجوب كونها حينئذ مصلحة في المأمور به ـ أو في أمر خارج يكون فعل المأمور به محصّلا له في الخارج إمّا باعتبار الأمر كالامتثال إذا كان هو المحبوب في نظر الآمر دون الفعل المحصّل له بالذات ، أو باعتبار نفسه ككونه مظهرا لكمال انقياد العبد مع مولاه عند غيره إذا قصد بالأمر إظهاره.
فإنّ المصلحة المؤثّرة في الحسن إنّما هو في الإظهار لا في المأمور به ولا في الأمر.
وهذه أقسام ثلاث ، لا إشكال في كون الأمر المفروض في القسم الأوّل موجبا لحدوث حكم في الفعل المأمور به بحسب الواقع.