نعم ربّما يتأتّى المعارضة بين الجهات فيما هو من مصاديق موضوع حكم العقل ، غير أنّه ليس من معقد الكلام في مسألة الملازمة في شيء ، لعدم كونه من حيث إنّه مصداق وجزئي حقيقي من موضوع حكم العقل في شيء.
وأضعف من أصل هذه الدعوى الوجوه الّتي تمسّك بها لإثباتها.
منها : حسن التكليف الابتدائي ، فإنّ الضرورة قاضية بحسن أمر المولى عبده بما لا يستحقّ فاعله من حيث إنّه فاعله المدح في نظره ، استخبارا لأمر العبد أو إظهارا لحاله عند غيره ، ولو كان حسن التكليف مقصورا على حسن الفعل لما حسن ذلك.
ويزيّفه : أنّ دعوى الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع الّتي هي مضمون قضيّة قولهم : « كلّما حكم به العقل حكم به الشرع » لا ترجع إلى دعوى كون حسن التكليف مقصورا على حسن الفعل ، لينتقض بالتكليف الابتلائي التوطيني الّذي يقصد به استعلام حال العبد من حيث الانقياد للمولى وعدمه أو إعلام حاله للغير ، إذ ليس معنى قولنا : « كلّما حسن الفعل حسن التكليف به ، وكلّما قبح الفعل حسن التكليف بتركه » إنّه كلّما حسن التكليف بالفعل حسن ذلك الفعل لينقضه ما ذكر.
نعم إنّما يرد هذا نقضا على القول بالملازمة في عكس هذه القضيّة ، المعبّر عنها بقولهم : « كلّما حكم به الشرع حكم به العقل » فإنّها إذا كانت على ظاهرها يتوجّه إليه ما ذكر ، ولذا ترى أنّ بعض الأعلام أورده نقضا لذلك العكس ، وكأنّه قدسسره خلط بين المقامين ، إلاّ أن يوجّه كلامه : بأنّه كما يجوز ورود الأمر الابتلائي بالفعل الخالي عن الجهة المحسّنة بالمرّة المساوي للترك الخالي منها أيضا ، فكذلك يجوز وروده بالفعل القبيح المشتمل على الجهة المقبّحة ، كما في قضيّة إبراهيم عليهالسلام في أمره بذبح ولده ، فلو كان بين قبح الفعل وحسن التكليف بتركه ووقوع ذلك التكليف ملازمة واقعيّة لما صحّ ذلك ، وحيث فرضنا صحّته بحكم الضرورة كشف ذلك عن انتفاء الملازمة الواقعيّة بين حسن الفعل أو قبحه ووقوع التكليف على حسبه.
وفيه : مع بعده عن صوغ العبارة ، إنّ من شرائط الأمر الابتلائي التوطيني جهل المكلّف بحال الفعل المأمور به من حيث عدم كون الإتيان به مرادا للآمر ، واعتقاده بمحبوبيّة فعله ومبغوضيّة تركه له ، ليحصل له توطين النفس للامتثال على ما هو غرض الآمر ، وإنّما يتأتّى ذلك إذا لم يكن هناك ما يكشف له عن تساوي الفعل والترك في نظر الآمر ، أو قبحه عنده المقتضي لمحبوبيّة الترك ومبغوضيّة الفعل ، وهذا الشرط فيما استقلّ العقل بإدراك قبحه