الطومار الّذي أرسلته إليه ، وقد لا تجعل له ذلك الحكم أيضا ولكن الفعل بحيث يكون محبوبا أو مبغوضا في نظرك ، بحيث لو أردت جعل حكم لم تجعل إلاّ الوجوب والحرمة ، ولو أردت إنشاء الطلب بعد الجعل لم تطلب إلاّ الفعل أو الترك ، وكان للعبد طريق إلى إدراك هذه الصفة أو إدراك المجعول الواقعي ، فترى أنّ العبد إذا خالف في جميع هذه الصور الثلاث بترك الإتجار أو إيقاع القتل يستحقّ عقابك ويحسن لك عقابه ، وترى أنّ استحقاقه العقاب في الصورتين الأخيرتين ليس إلاّ كاستحقاقه في الصورة الاولى ، ولا يعذّره العقلاء لو اعتذر بعدم طلب المولى ، أو بعدم جعله الحكم مع اعترافه بإدراك المجعول الواقعي أو إدراك الصفة النفسانيّة.
ثمّ إنّ بعض الفضلاء اختار في مسألة الملازمة تفصيلا فأنكرها واقعا وأثبتها ظاهرا ، حيث قال : « الحقّ أن لا ملازمة عقلا بين حسن الفعل أو قبحه وبين وقوع التكليف على حسبه ومقتضاه ، وإنّما الملازمة بين حسن التكليف بالفعل أو الترك وبين وقوعه.
نعم جهات الفعل من جملة جهات التكليف ، فقد يقتضي حسن الفعل أو قبحه حسن التكليف به أو بتركه ، وقد لا يقتضي لمعارضة جهة اخرى في نفس التكليف ، هذا إذا اريد بالملازمة الواقعيّة منها ، ولو اريد بها الملازمة ولو بحسب الظاهر فالظاهر ثبوتها. »
ثمّ أسند إلى بعض المحقّقين الموافقة ، إلى أن قال : « فلنا في المقام دعويان » (١) وتمسّك لأوّلهما ـ وهو نفي الملازمة الواقعيّة بين حسن الفعل أو قبحه وبين وقوع التكليف على حسبه ـ بالوجوه الآتية الضعيفة.
وأنت بمراجعة ما قرّرناه من كلماتنا في دفع شبهة السيّد الفاضل الشارح للوافية في إنكار كون جهات الفعل عللا تامّة للأحكام الشرعيّة تعرف ضعف هذا التفصيل أيضا.
وملخّصه : أنّ وقوع المعارضة بين الجهات في موضوع قضيّة حكم العقل غير معقول ، إذ قد عرفت أنّ العقل في قضيّة الكذب قد يلاحظ الكذب من حيث هو فيحكم بقبحه ، وقد يلاحظه من حيث النفع فيحكم بحسنه ، وفي قضيّة الصدق قد يلاحظ الصدق من حيث النفع فيحكم بحسنه ، وقد يلاحظ من حيث الضرر فيحكم بقبحه ، وهما قضيّتان متصادقتان لا تنافي بينهما ، فيكون الحسن والقبح في موضوع كلّ منهما مقتضيا لحسن التكليف ووقوعه على حسبه من إيجاب أو تحريم.
__________________
(١) الفصول : ٣٣٧.