ومنها : الأخبار الدالّة على عدم تعلّق بعض التكاليف بهذه الامّة دفعا للكلفة والمشقّة عنهم ، كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لو لا أن أشقّ على امّتي لأمرتهم بالسواك » (١) فإنّ وجود المشقّة في الفعل قد يقدح في حسن الإلزام به وإن لم يقدح في حسن الفعل ، وذلك حيث لا يكون هناك ما يحسن الابتلاء ولا يكون في الفعل مزيد حسن بحيث يرجّح الإلزام به مع المشقّة كما في الجهاد ، فالفعل الشاقّ قد يكون حسنا بل واجبا عقليّا ، لكن لا يحسن الإلزام به لما فيه من التضييق على المكلّف مع قضاء الحكمة بعدمه (٢).
وفيه أوّلا : أنّ السواك على ما هو مورد الرواية من أفراد ما لا يستقلّ فيه العقل لعدم استقلاله بإدراك حسنه أو قبحه ، ولا كونه ممّا أحاط بجميع صفاته وجهاته المحسّنة أو المقبّحة ، فنقض الملازمة فيما يستقلّ فيه بما ليس من أفراده غير سائغ ، لوجوب كون المنقوض به من أفراد المنقوض ، وكون السواك ممّا كشفت الرواية عن اشتماله على جميع الجهات المحسّنة والصفات الملزمة بحيث لم يكن جهة لعدم وقوع الإلزام به إلاّ مانعيّة أمر خارج عن الفعل وهو الكلفة والمشقّة ـ بملاحظة أنّ « لو لا » لامتناع الثاني لوجود الأوّل ، فيفيد حصر المانعيّة في المشقّة واستناد امتناع الثاني إلى وجودها ـ لا يوجب دخوله في عنوان ما يستقلّ فيه العقل ، لفرض قصور العقل عن إدراك هذه الصفة فيه لو لا الرواية الكاشفة عنها.
وثانيا : منع قضاء الرواية باعتبار اشتمالها على « لو لا » الامتناعيّة باشتمال السواك على الحسن الملزم الملازم للوجوب الشرعي على القول بالملازمة ، وهو كون الفعل بحيث يستحقّ فاعله المدح وتاركه الذمّ ، ولا تنافي كون الموجود فيه هو الحسن غير الملزم الملازم للاستحباب على القول المذكور وهو كونه بحيث يستحقّ فاعله المدح ولا يستحقّ تاركه الذمّ وذلك لأنّ هذه الرواية ونظائرها يقصد بها المبالغة في الاستحباب والتنبيه على كون الجهة المحسّنة المقتضية لوقوع التكليف على حسبها متأكّدة ، بحيث يقرب من مرتبة الجهة المحسّنة الملزمة ، والمفروض تحقّق الملازمة بينها وبين الاستحباب الشرعي ، فإنّ استحباب السواك في هذه الشريعة من الامور الواضحة الّتي لا يعتريها شوب الإنكار ، وليس هذا إلاّ من جهة استلزام حسن الفعل حسن التكليف به ووقوعه ، فالرواية باعتبار موردها بالبيان المذكور تصلح لكونها من أدلّة المختار.
__________________
(١) الوسائل ١ : ٣٥٤ الباب ٣ من أبواب السواك ، ح ٤.
(٢) الفصول : ٣٣٩.