وثالثا : أنّ ثبوت الاستحباب هنا بعد نفي الإلزام لجهة المشقّة آكد في إثبات الملازمة بين حسن الفعل وحسن التكليف به ولو استحبابا لأنّ حسن الفعل على ما أشرنا إليه قد يتضمّن حيثيّتين ، حيثيّة استحقاق الفاعل المدح وحيثيّة استحقاق تاركه الذمّ ، وهذا هو الملازم للإلزام عند أهل القول بالملازمة ، وقد يتضمّن الحيثيّة الاولى فقط وهو الملزوم للاستحباب عندهم ، وكون المشقّة قادحة في حسن الإلزام معناه أنّها ترفع من الحسن بالمعنى الأوّل حيثيّته الثانية مع بقائه بالحيثيّة الاولى ملزوما للاستحباب.
وهذا هو السرّ في بقاء الاستحباب بعد نفي حسن الإلزام ، كما أنّ الجهة المقبّحة إذا طرئت الفعل الحسن ترفع حسنه بكلتي الحيثيّتين.
ورابعا : أنّه لو سلّم بقاء الحسن الملزم في السواك بعد رفع الإلزام فهو بالقياس إلى الإلزام من باب المقتضي ، ويجوز دعوى الملازمة أيضا بينهما بتقريب : أنّه بحيث لو لا المانع لأثّر في الإلزام.
وخامسا : أنّ المسألة عقليّة يطلب فيها القطع ، والقائل بالملازمة إنّما يدّعيها لقاطع ، والرواية خبر واحد ظنّي مع ظنّية دلالته ، فلا يصلح مستندة للمنع في المسألة العقليّة ، إلاّ أن يغيّرا سلوك الاستدلال بالاستناد إلى الأدلّة النافية للعسر والحرج من عمومات الكتاب ، كقوله عزّ من قائل : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(١) و ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(٢) والسنّة كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « بعثت بالملّة الحنيفيّة السهلة السمحة » (٣).
بتقريب : أنّ هذه الأدلّة مسوقة في سياق الامتنان ، فلابدّ من الامور العسرة الشاقّة المرفوع عنها التكاليف الإلزاميّة من حسن ملزم وإلاّ لم يتمّ الامتنان ، فعلم بذلك جواز انفكاك حسن الفعل عن حسن التكليف به على حسبه.
وجوابه : أنّه المعارضة بالمثل بالنظر إلى ما تقدّم من الفاضل المستدلّ من الاعتراف بالملازمة بين حسن التكليف وبين وقوعه ، فإنّ ما ذكر من المحذور مشترك الورود بيننا وبينه ، إذ التكليف المرفوع عن الموارد العسرة الشاقّة إن لم يكن حسنا لم يتمّ الامتنان ، وإن كان حسنا بطلت الملازمة بين حسن التكليف وبين وقوعه.
فإن قلت : إنّ التكليف حسن ولكن عدمه أحسن ، فدار الأمر بين الحسن والأحسن ،
__________________
(١) الحج : ٧٨.
(٢) البقرة : ١٨٥.
(٣) الوسائل ٥ : ٢٤٦ الباب ١٤ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ح ١.