بأن يكون له غرضان أحدهما حصول مصلحة الفعل ، والآخر حصول الامتثال الّذي قد يكون مطلوبا لنفسه ولا يحصل إلاّ بالقصد ، كما أنّه في القسم المتقدّم الّذي لم يقصد في الأمر بالفعل مصلحة إلاّ مصلحة الامتثال إنّما يعتبر لكونه محقّقا له فهذه أقسام ثلاث وموارد التعبّد المعتبر في صحّتها نيّة القربة وقصد الامتثال بأجمعها لا تخلو عن هذه الأقسام ، ولا يتّجه النقض بشيء منها.
أمّا القسم الأوّل : فلحسن الفعل اللازم من المصلحة الموجودة فيه بالفرض ، المستتبع لوقوع التكليف الشرعي على حسبه. وكذلك على القسم الثاني.
وأمّا القسم الثالث : فلأنّ الفعل كما أنّه خال عن الحسن النفسي فكذلك الأمر به أيضا خال عنه ، بل الحسن إنّما هو في الأمر الخارج وهو الامتثال.
نعم ربّما يعرضهما حسن غيريّ لجهة كون الفعل باعتبار الأمر الوارد به محصّلا لما هو حسن لنفسه ، فإن كان النظر في هذا القسم إلى خلوّ الفعل عن الحسن الذاتي فالأمر أيضا مثله ، وإن كان النظر إلى حسن الأمر لغيره فالفعل أيضا مثله ، فبطل بجميع ما ذكر قوله : « لانتفاء حسن الفعل قبل التكليف وحصوله بعده فلم يتفرّع حسن التكليف على حسن الفعل ».
فإنّا نقول : إنّ وجوب الفعل عقلا فيما هو حسن لنفسه مطلق مع كون حسن التكليف متفرّعا عليه ، وكأنّه رحمهالله فرض الكلام على تقدير اشتراط الأوامر المذكورة بقصد القربة ، بل هو على ما عرفت ظاهر عبارته ذيلا بل صدرا أيضا بعد إنهاض الذيل قرينة للصدر وقد ظهر فساده ، ولعلّه وهم نشأ عن ملاحظة عدم اتّصاف الخالي عن قصد القربة بالوجوب فزعم أنّه شرط في الوجوب ، ولم يفرّق بين المصداق والعنوان ، فإنّ المأمور به بحسب العنوان إذا كان هو الفعل المقرون بالنيّة مثلا فلا يكون الفعل الخالي عنها خارجا عنه باعتبار كون القيد المذكور كسائر قيوده للاحتراز ، فعدم اتّصاف ما خرج بالوجوب إنّما هو لخروجه عن حكم المأمور به لا لاشتراط وجوبه بحسب العنوان الكلّي بقصد الامتثال فليتدبّر.
ثمّ إنّ الوجوه المذكورة هي الشبهات الّتي عجز الفاضل المستدلّ بها عن حلّها ، فأحدث القول المتقدّم بالفرق بين التلازم الواقعي فأنكره والتلازم الظاهري فأثبته ، وكلامه في بيان الثاني هو « أنّه لو جهل العقل جهات التكليف وأدرك جهات الفعل حكم في الظاهر بثبوت التكليف ، عملا بعموم الآيات وما في معناها من الأخبار ، ولأنّ قضيّة جهات الفعل وقوع التكليف على حسبها إن لم يعارضها مانع ، ولا يكفي احتماله ، إذ المحتمل