لا يصلح في نظر العقل لمعارضة المقطوع به ، وقريب منه ما لو أدرك العقل بعض جهات الفعل المقتضية لحسنه أو قبحه وشكّ في وجود جهة فيه تعارض تلك الجهة ، فإنّه يحكم بثبوت التكليف على حسبها ولا يعتدّ باحتمال الجهة المعارضة ، إمّا لأصالة عدمها أو لحكم العقل بقبح الفعل أو الترك والحال هذه حكما واقعيّا ، وإن كان مبناه على الظاهر » إلى آخر ما ذكره. (١)
والظاهر أنّ مراده من عموم الآيات وغيرها بقرينة سابق كلامه نحو قوله تعالى : ( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ )(٢) وغيره ممّا يدلّ على أنّه يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن السوء والفحشاء.
ومحصّل مرامه : أنّ الأحكام الشرعيّة المثبتة بالأحكام العقليّة أحكام ظاهريّة ، لكون الحكم بها مراعى بعدم وجود المانع وعدم ظهور جهة معارضة ، فتكون كالأحكام الظاهريّة المستفادة من نحو أصلي الإباحة والبراءة المعلّقة على عدم وجود دليل على الحرمة والوجوب ، كإباحة شرب التتن وعدم وجوب غسل الجمعة مثلا المحكوم بهما عقلا ونقلا ما لم يوجد دليل على خلافهما ، ومنشؤه على ما ظهر من تعليلاته مصادفة حكم العقل لاحتمال وجود المانع ، الّذي هو أعمّ من احتمال وجود الجهة المعارضة للجهة المحسّنة أو المقبّحة للفعل في نظر العقل ، ولعلّه أراد بالمانع في مقابلة الجهة المعارضة ـ مع أنّها أيضا من قبيل المانع ـ ما هو نظير الصغر في الصبيّ المراهق المانع من توجّه الخطاب إليه ، وإن اتّصف أفعاله بالحسن والقبح عند العقل ، والمشقّة في موارد العسر والحرج المانعة من التكليف الإلزامي بها وإن اشتملت عند العقل على الحسن الملزم.
وكيف كان فيرد عليه : ما تقدّم تحقيقه من أنّ العقل في قضايا حكمه ما لم يحط بجميع جهات الفعل ولم ينسدّ عنده جميع الاحتمالات لم يحكم فيه بحسن ولا قبح.
نعم إنّما يتمشّى احتمال وجود المانع أو وجود الجهة المعارضة في القضيّة الشخصيّة الّتي موضوعها من مصاديق موضوع حكم العقل في القضيّة الكلّية ، وهو ليس من محلّ البحث في مسألة الملازمة ، ولعلّ تجويز جريان الاحتمال في قضيّة حكم العقل وهم نشأ من اشتباه المصاديق بالمفاهيم.
والسرّ في عدم جريان احتمال وجود المانع في قضيّة حكم العقل هو أنّ المانع هاهنا ليس على حدّ المانع بالمعنى المعهود المقابل للمقتضي ، الغير المنافي وجوده لوجوده بل
__________________
(١) الفصول : ٣٤٠.
(٢) الأعراف : ١٥٧.