أعجز من الجاهل المركّب؟ وقد فرضنا أنّ غير العالم إذا كان شاكّا في الحكم الواقعي لا مناص له من التعبّد بخبر ، وأنّ هذا خارج عن مساق دليل المستدلّ ، فلأن يكون الجاهل الّذي لا يجري عنده احتمال مخالفة الواقع أصلا متعبّدا من الشارع بالعمل بقطعه طريق الأولويّة كما هو واضح.
وإن كان نظره إلى صورة الانفتاح والتمكّن من العلم ـ كما هو ظاهر دليله بعد التأمّل فيما قرّرناه ـ ، فنقول : إنّ التعبّد بالخبر حينئذ يتصوّر على وجهين :
أحدهما : أن يجب العمل به من الشارع لمجرّد كونه طريقا إلى الواقع كاشفا عنه كشفا ظنّيّا ، حيث لم يلاحظ فيه مصلحة سوى كشفه الظنّي عن الواقع.
ثانيهما : أن يجب العمل به لأجل أنّه يحدث في الواقعة بسبب قيام هذه الأمارة الظنّيّة بها مصلحة راجحة على المصلحة الواقعيّة الّتي تفوت على المكلّف على تقدير مخالفته الواقع ، كصلاة الجمعة إذا فرضناها في أزمنة الغيبة محرّمة لوجود مفسدة ، ولكن أخبر عادل بوجوبها فحدث بسببه مصلحة في فعلها راجحة على المفسدة المقتضية للتحريم ، وحدث بسبب حدوث المصلحة الراجحة وجوب في فعلها.
فإن أراد من التعبّد بالخبر إيجاب العمل به على الوجه الأوّل ، فكلامه في منع جواز التعبّد ودعوى استحالته حقّ لا سترة عليه.
وما ذكره في دليله من لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال متين لا شبهة فيه ، بل عليه بناء العقلاء في سلوك العبد طريقين يعلم بكون أحدهما موصلا إلى المطلوب ، ويظنّه في الآخر بحيث يحتمل فيه عدم الإيصال فاختاره دون الأوّل فاتّفق عدم إيصاله إليه ، فالعقلاء حينئذ يقبّحونه ويذمّونه على ترك سلوك الأوّل واختيار سلوك الثاني ، ولكن كلام من يجوّزه ليس على هذا الوجه كما ستعرفه.
وإن أراد منه إيجاب العمل به على الوجه الثاني فكلامه في منع جوازه غير موجّه ، إذ لا قبح في التعبّد به على هذا الوجه ولا يستتبع ما يوجب الاستحالة العقليّة من تحليل حرام أو تحريم حلال ، لأنّ تأثير المفسدة الواقعيّة في حدوث الحرمة بمقتضى الفرض كان مشروطا بعدم قيام الأمارة الظنّيّة بوجوب الفعل ، فإذا قامت ـ كما هو المفروض ـ انتفى بسبب قيامها شرط تأثير المفسدة الواقعيّة ، لأنّها بالقياس إلى الحكم الناشي منها من باب المقتضي لا العلّة التامّة ، ولذا ذكر العلاّمة في النهاية ـ تبعا للشيخ في العدّة (١) في ردّ ابن
__________________
(١) العدّة ١ : ١٠٣.