قبه ـ « أنّ الفعل الشرعي إنّما يجب لكونه مصلحة ، ولا يمتنع أن يكون مصلحة إذا فعلناه ونحن على صفة مخصوصة ، وكوننا ظانّين بصدق الراوي صفة من صفاتنا ، فدخلت في جملة أحوالنا الّتي يجوز كون الفعل عندها مصلحة (١) » إنتهى.
لا يقال : إنّ على ما ذكرته وإن كان لا يلزم تحليل الحرام وتحريم الحلال المؤدّيان إلى الجمع بين الضدّين ونقض الغرض ، ولكنّه يلزم التصويب المجمع على بطلانه ، فإنّ قضيّة الفرض أن يكون حكم الله الواقعي تابعا في حدوثه لرأي المجتهد وظنّه الاجتهادي الناشي من الخبر الظنّي.
وقد اعترف العلاّمة في النهاية (٢) ـ في مسألة التخطئة والتصويب ـ بكونه من التصويب الباطل.
وعدّه منه أيضا صاحب المعالم حيث أجاب ـ في تعريف [ الفقه ] عن كلام من قال : بأنّ الظنّ في طريق الحكم لا في نفسه ، وظنّيّة الطريق لا ينافي قطعيّة الحكم ـ : « بأنّه يستلزم التصويب (٣) » فإنّ قطعيّة الحكم مع ظنّيّة الدليل لا معنى له على ما فهمه قدسسره إلاّ باعتبار القطع بحدوث مصلحة من قيام الأمارة الظنّيّة بالواقعة مؤثّرة في حدوث الحكم لها على خلاف مقتضى المصلحة أو المفسدة الواقعيّتين.
لأنّا نقول : إنّ الوجه المذكور من التعبّد بالخبر بل مطلق الأمارة الظنّيّة ممّا يجوّزه العقل ولا يستحيله ، وكونه من التصويب المجمع على بطلانه إن سلّمناه لا يستلزم الاستحالة العقليّة ، لأنّ الإجماع على بطلان التصويب إنّما يدلّ على عدم وقوع نحو التعبّد المذكور لا على عدم إمكانه ، وكلامنا في هذا المقام إنّما هو في الإمكان وعدمه لا في الوقوع وعدمه ، ولمّا انجرّ الكلام إلى هذا المقام فلا بأس بالتعرّض للوجوه المتصوّرة في جعل الأمارات الظنّيّة ، وبيان ما هو الصحيح منها وتميّزه عن غيره.
فنقول : إنّ جعل الأمارة قد يكون جعلا طريقيّا ، وهو أن تكون التعبّد بها لمجرّد كشفها عن الواقع ، بحيث لم يلاحظ في سلوكها وفي الفعل القائم به تلك الأمارة مصلحة ولا صفة محسّنة أو مقبّحة سوى مصلحة الواقع القائمة بالفعل في نفسه مع قطع النظر من الأمارة.
وقد يكون جعلا موضوعيّا ، وهو أن يكون التعبّد بها لأجل أنّ في نفسها مصلحة
__________________
(١) نهاية الوصول ( مخطوط ) : ٢٩٠.
(٢) نهاية الوصول ( مخطوط ) : ٤٣٩.
(٣) معالم الاصول : ٢٧.