وعلى الوجه الرابع : في الفعل نفسه مصلحة أو مفسدة ينشأ منهما الحكم الواقعي ، ولم يكن تأثيرهما أيضا مراعى بعدم قيام الأمارة بخلافهما ، وقد أمرنا الشارع بسلوكها لمجرّد الوصول إلى الواقع من غير اشتماله على مصلحة متدارك بها.
أمّا الوجه الأوّل : فلا إشكال في بطلانه عند أهل القول بالتخطئة لكونه تصويبا ، وقد تواترت الأخبار بوجود حكم مشترك بين العالم والجاهل.
وكذلك الوجه الثاني : فإنّه أيضا نوع من التصويب لكون مصلحة الأمارة المزاحمة لصفة الفعل مغيّرة للحكم الواقعي مخصّصة له بالعالم به ، فيدلّ على بطلانه كلّما دلّ على بطلان التصويب ، ومنه الأخبار (١) الدالّة على كون الأحكام الواقعيّة مشتركة بين العالم والجاهل.
وأمّا الوجه الثالث : فهو الصواب عند المخطّئة القائلين بأنّ المصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد ، وهذا الأجر كالأجر الثاني في الأوّل ما يترتّب على سلوك الأمارة المشتمل على مصلحة متدارك بها المصلحة الفائتة ، كما يظهر الالتزام به من الشهيد الثاني في روض الجنان (٢) كما تعرفه فيما بعد.
وأمّا الوجه الرابع : فلا إشكال في جوازه في الأوّل والثالث من وجوهه المتقدّمة ، ولو مع التمكّن من الطرق المفيدة للقطع ، لمصلحة دوام إدراك الواقع أو أغلبيّته ، ولا يلزم قبح على الشارع ، ولا تفويت مصلحة الواقع على المكلّف بلا تدارك حتّى في الوجه الثالث ، لأنّ ما يلزم من فوات المصلحة على هذا التقدير يستند إلى الامور الخارجيّة لا إلى الشارع ، ولذا كان فواتها في الطرق المفيدة للقطع أكثر ، والجواز في هذا الوجه تعييني نظرا إلى أغلبيّة المصادفة.
وفي الوجه الأوّل يمكن كونه على وجه التخيير ، وكونه على وجه التعيين ، ويختلف بأن لا يكون في الطرق المفيدة للقطع ما يكون جهلا مركّبا ، فيتخيّر حينئذ بين سلوك الأمارات والرجوع إلى الطرق العلميّة ، وأن يكون فيها ما يكون جهلا مركّبا فيتعيّن سلوك الأمارات.
وأمّا هو في وجهه الثاني والرابع فمع تعذّر العلم وفقد الطرق المفيدة للقطع لا إشكال في جواز كلّ منهما ، وما يلزمهما من فوات مصلحة الواقع أو الوقوع في مفسدته ـ ولو نادرا ـ لا يستند إلى الشارع ، بل إلى الامور الخارجيّة الموجبة لفقد الطرق العلميّة ، ومع عدم تعذّره
__________________
(١) الكافي ١ : ٤٠ و ٥٨ / ١٩ و ٥٩ / ٢ و ١٩٩ / ١.
(٢) والصواب : « في المقاصد العليّة » كما يأتي عن صاحب الحدائق ١ : ١٣٦ لاحظ المقاصد العليّة.