يراعى في جوازه عدم الجهل المركّب بالمرّة أو كونه أقلّ في الطرق ، فإن كان أكثر فلا إشكال في عدم الجواز لقبح تفويت مصلحة الواقع بلا تدارك ولو نادرا.
وكلام ابن قبة في منع التعبّد عقلا إنّما يتمّ في هذين الوجهين على التقدير المذكور لا مطلقا ، هذا كلّه في الكبرى.
وأمّا تشخيص الصغرى وهو أنّ الأمارات الغير العلميّة على تقدير مجعوليّتها على وجه الطريقيّة من أيّ الأقسام الأربع؟ فممّا لا سبيل إليه ولم يحم حوله أحد ، والّذي يمكن الإذعان به هو جواز جعل الأمارات على وجه الطريقيّة مع انسداد باب العلم ، وإن لم يشتمل سلوكها على مصلحة متدارك بها ، سواء كانت بحسب الواقع دائم المصادفة للواقع ، أو غالبها ، أو أغلبيّتها ، أو كثرتها ، ومع انفتاح باب العلم اعتبر اشتمال سلوكها على مصلحة يتدارك بها ما فات على المكلّف من مصلحة الواقع ، أو ما يقع فيه المفسدة.
ويظهر من العلماء على القول بالتخطئة التزامه ، ومن ذلك ما نقل حكايته عن ثاني الشهيدين في روض الجنان (١) عن صاحب الحدائق (٢) في مسألة عدم كون الطهارة والنجاسة من الشرائط الواقعيّة النفس الأمريّة ، بل العلم داخل فيها ، من أنّه استعجب عن القول بكونهما واقعيّتين فقال : « لو كان كذلك للزم أن لا نستحقّ في أكثر أعمالنا وعباداتنا إلاّ أجر ذاكر مطيع ، لعدم اشتمالها غالبا على الطهارة الواقعيّة » (٣).
وغرضه بذلك أنّا نصلّي غالبا مع انتفاء الطهارة الواقعيّة ، فيلزم أن لا نعطى أجر الصلاة وثوابها ، بل غاية ما نستحقّه إنّما هو أجر من كان ذاكرا لله سبحانه مطيعا إيّاه منقادا له.
ولا ريب أنّ المصلحة الّتي تلتزم بها في ترتيب الآثار على الأخذ بمؤدّى الأمارة من هذا القبيل ، فإنّ مرجعها إلى المنافع المترتّبة على العمل بالأمارة من حيث كونه ذكرا لله تعالى وإطاعة وانقيادا له ، لا المنافع المترتّبة على الفعل من حيث كونه المأمور به الواقعي.
فحاصل الاعتبار المذكور [ با ] لجعل على الوجه الأخير ـ الّذي هو أصحّ الوجوه ـ أنّ المراد من التعبّد بالأمارة الغير العلميّة بجعل من الشارع ، أنّه أمرنا وأوجب علينا العمل بالأمارة ـ على معنى الأخذ بمؤدّاها وترتيب الآثار والأحكام بأجمعها عليه ـ على أنّه
__________________
(١) والصواب « شرح الالفيّة » بدل « روض الجنان » كما في الحدائق : ١ : ١٣٦.
(٢) الحدائق : ١ : ١٣٦.
(٣) المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة : ٢٩٢.