الإجماع إنما هو قبل الغسل بالمرة ، وأما بعد الغسلة الواحدة فليس ثمة إجماع ؛ فالاستصحاب غير ثابت. على أن في الاستدلال ما قد عرفت آنفا.
نعم ، يمكن أن يقال : إن مقتضى صحاح الأخبار أن يقين كل من الطهارة والنجاسة لا يزول إلا بيقين مثله ، فالنجاسة هنا ثابتة بيقين قبل الغسل بالكليّة ، ولا تزول إلا بيقين ، وهو الغسل بالأكثر ، وزوالها بالأقل مشكوك فيه ، وهو لا يرفع يقين النجاسة. والاستصحاب هذا مما لا خلاف في حجيته لدلالة صحاح الأخبار عليه ، كما سبق تحقيقه في الدرّة المتقدمة في مسألة الاستصحاب.
هذا ، والتحقيق في المقام على ما أدى إليه النظر القاصر [في] (١) أخبار أهل الذكر عليهمالسلام هو أن يقال : إنه لا ريب في رجحان الاحتياط شرعا واستفاضة الأمر به كما سيمر بك شطر من أخباره ؛ وهو عبارة عما يخرج به المكلّف من عهدة التكليف على جميع الاحتمالات ، ومنه ما يكون واجبا ، ومنه ما يكون مستحبّا.
فالأول كما إذا تردد المكلّف في الحكم إما لتعارض أدلته ، أو لتشابهها وعدم وضوح دلالتها ، أو لعدم الدليل بالكليّة بناء على نفي البراءة الأصلية ، أو لحصول الشك في اندراج بعض الأفراد تحت بعض الكليات المعلومة الحكم ، أو نحو ذلك.
والثاني كما إذا حصل الشكّ باحتمال وجود النقيض لما قدم عليه الدليل الشرعي احتمالا مستندا إلى بعض الأسباب المجوزة ، كما إذا كان مقتضى الدليل إباحة شيء وحلّيته ، لكن يحتمل قريبا بسبب بعض الأسباب أنه مما حرمه الشارع وإن لم يعلم به المكلف مثل جوائز الظالم ، ونكاح امراة بلغك أنها ارضعتك ، أو أرضعت معك الرضاع المحرّم ، إلّا إنه لم يثبت ذلك شرعا. ومنه أيضا الدليل المرجوح في نظر الفقيه.
__________________
(١) في النسختين : من.