أما إذا لم يحصل له ما يوجب الشك والريبة في ذلك ، فإنه يعمل على ما ظهر له من الدّليل وإن احتمل النقيض في الواقع ، ولا يستحب له الاحتياط هنا ، بل ربما كان مرجوحا لاستفاضة الأخبار بالنهي عن السؤال عند الشراء من سوق المسلمين ما يحتمل تطرق النجاسة أو الحرمة إليه ، كاخبار الجبن وأخبار الفراء ؛ عملا بمقتضى سعة الحنفيّة كما أشار إليه عليهالسلام في صحيحة البزنطي الواردة في السؤال عن شراء جبة خزّ ، لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة ليصلي فيها ، حيث قال : «ليس عليكم المسألة إن أبا جعفر عليهالسلام كان يقول : إنّ الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ، وإنّ الدين أوسع من ذلك» (١).
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أن الاحتياط قد يكون متعلّقا بنفس الحكم الشرعي ، وقد يكون متعلّقا بأفراد موضوعه ، وكيف كان ، فقد يكون متعلّقا بالفعل ، وقد يكون بالترك ، وقد يكون بالجمع بين الافراد المشكوك فيها.
ولنذكر جملة من الأمثلة ليتضح بها ما أجملناه ، ويظهر منها ما قلناه ، فمن الاحتياط الواجب في الحكم الشرعي المتعلّق بالفعل إذا اشتبه الحكم من الدليل بأن تردد بين احتمال الوجوب والاستحباب ، فالواجب هو التوقف في الحكم ، والاحتياط بالإتيان بذلك الفعل ، ومن يعتمد على أصالة البراءة يجعلها هنا مرجحة للاستحباب. وفيه :
أولا : ما عرفت من عدم الاعتماد على البراءة الأصلية في الأحكام الشرعية ، كما تقدّم في الدرة التي في المسألة.
وثانيا : أن ما ذكروه يرجع إلى أن الله تعالى حكم بالاستحباب لموافقة البراءة الأصلية ، ومن المعلوم أن أحكامه تعالى تابعة للحكم والمصالح المنظورة له تعالى ، وهو أعلم بها. ولا يمكن أن يقال : مقتضى المصلحة البراءة الأصلية ؛ فإنه
__________________
(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٦٨ / ١٥٢٩ ، وسائل الشيعة ٣ : ٤٩١ ، أبواب النجاسات ، ب ٥ ، ح ٣.