إلى أن قال عليهالسلام : «فما أحد أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممّن يأخذ بذلك ، وزعم أن ذلك يسعه» (١) الحديث.
وبالجملة ، فإنه لا شبهة ولا ريب في أنه لا مستند لهذا الإجماع من (كتاب) ولا سنة ، وإنما يجري ذلك على مذاق العامة ومخترعاتهم. ولكن جملة من أصحابنا تبعوهم فيه غفلة ، كما جروا على جملة من اصولهم في مواضع عديدة مع مخالفتها لما هو المستفاد من الأخبار ، كما لا يخفى على المتتبع البصير ، ولا ينبئك مثل خبير.
هذا وقد نقل المحدّث السيد نعمة الله الجزائري قدسسره عن بعض مشايخه في بيان وجه العذر لمشايخنا المتقدّمين في اختلاف الإجماعات المنقولة عنهم ما ملخصه أن الاصول التي كان عليها المدار وهي التي انتخبوا منها كتب الحديث المشهورة الآن كانت بأيديهم ، وإنما حدث فيها التلف والاضمحلال من زمان ابن إدريس لأسباب ذكرها ، وكانوا بملاحظة ما اشتملت عليه جميعها أو أكثرها من الأحكام يدّعون عليه الإجماع ، وربما اختلفت الأخبار في ذلك الحكم بالتقية وعدمها ، والجواز والكراهة ونحوها ، فيدّعي كل منهم الإجماع على ما يؤدي إليه نظره وفهمه من تلك الأخبار بعد اشتمال تلك الاصول أو كلّها على الأخبار المتعلّقة بما يختاره ويؤدّي إليه نظره.
أقول : وعندي أن (٢) هذا الاحتمال غير بعيد عند التأمل الدقيق والرجوع إلى التحقيق ؛ وذلك فإن الظاهر أن مبدأ التفريع في الأحكام والاستنباط إنما هو من زمن الشيخ والمرتضى ـ رضوان الله عليهما ـ فإن كتب من تقدمهما من المشايخ إنما اشتملت على جمع الأخبار وتأليفها ، وإن كان بعضها قد اشتمل على مذهب
__________________
(١) الكافي ٨ : ٥.
(٢) من «ح».