في حد ذاته ، وبعضها معلوم النجاسة كذلك ، وقد اشتبه بعضها ببعض ، كالبول الذي منه طاهر ومنه نجس ، والدم ونحوهما. والجهل هنا ليس في الحكم الشرعي ؛ إذ هو معلوم في تلك الأفراد في حد ذاتها ، وإنما الجهل في موضوعه ومتعلقه ، وهو ذلك الفرد المشكوك في اندراجه تحت أحد الطرفين.
أما بالنسبة إلى الجهل بالحكم الشرعي ، كالجهل بحكم نطفة الغنم ، هل هي نجسة أو طاهرة؟ فهل يحكم بطهارتها بالخبر المذكور ، أم لا؟ قولان : وبالثاني صرّح المحدّث الأمين الأسترآبادي في كتاب (الفوائد المدنية) (١) ، وبالأوّل صرّح جمع من متأخّري المتأخّرين (٢).
وأنت خبير بأن القدر المتيقن فهمه (٣) من الخبر المذكور هو (٤) ما وقع الاتفاق عليه ؛ إذا الظاهر ـ والله سبحانه وقائله أعلم ـ أن المراد من هذا الخبر وأمثاله إنّما هو دفع الوساوس الشيطانية والشكوك النفسانية بالنسبة إلى الجهل بملاقاة النجاسة ، وبيان سعة الحنفية السمحة السهلة بالنسبة إلى اشتباه بعض الأفراد الغير المحصورة ببعض ، فيحكم بطهارة الجميع حتى يعلم الفرد النجس بعينه. وأما إجراء ذلك في الجهل بالحكم الشرعي فلا يخلو من الإشكال المانع من الجرأة على الحكم به في هذا المجال.
وما ذكره بعض فضلاء متأخّري المتأخّرين من أن الجهل بوصول النجاسة يستلزم الجهل بالحكم الشرعي ، قال : (فإن المسلم إذا أعار ثوبه الذمي وهو
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : ١٤٨ ، وفيه : أن بعضهم توهّم أن قولهم عليهمالسلام : «كل شيء طاهر ..» يعمّ صورة الجهل بحكم الله تعالى ، فإذا لم نعلم أن نطفة الغنم طاهرة أو نجسة نحكم بطهارتها. ومن المعلوم ان مرادهم عليهمالسلام : كل صنف فيه طاهر وفيه نجس ..
(٢) انظر : الوافية في اصول الفقه : ٢١٥ ، الفوائد المدنيّة : ١٤٨.
(٣) في «ق» بعدها : هو ، وما أثبتناه وفق «ح».
(٤) في «ح» : وهو.