الإشارة إليه. والوجه فيه ما ذكره المحدّث الأمين الأسترآبادي ـ عطر الله مرقده ـ من (أن المحدّث الماهر إذا تتبّع الأخبار الواردة حقّ التتبّع في مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل لاشتهر ، لعموم البلوى بها ، ولم يظفر بذلك الحكم يحصل له الجزم أو الظن المتاخم للعلم بعدم الحكم ؛ لأن جمّا غفيرا من أصحابهم عليهمالسلام ومنهم الأربعة آلاف رجل الذين من أصحاب الصادق عليهالسلام وتلامذته كانوا ملازمين لهم في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة ، وكان همتهم وهمة الأئمّة عليهمالسلام إظهار الدين وتزويج الشريعة ، وكانوا لحرصهم على ذلك يكتبون كل ما يسمعونه ؛ خوفا من عروض النسيان ، وكانت الأئمّة عليهمالسلام يحثونهم على ذلك. وليس الغرض منه إلّا العمل به بعدهم ، ففي مثل ذلك يجوز التمسّك بالبراءة الأصلية ؛ إذ لو كان ثمة دليل والحال كذلك لظهر) (١) انتهى.
وإلى هذا أيضا أشار المحقق قدسسره في كتاب (المعارج (٢)) (٣) ، وقد أسلفنا عبارته في درة البراءة الأصلية (٤).
وأما ما اعترض به بعض متأخّري المتأخّرين على كلام المحدّث الأمين من أن ذلك لا يخلو من نوع إشكال لتطرّق الضياع والتلف إلى جملة من الاصول فالظاهر سقوطه ؛ لأن الظاهر أن التلف إنما عرض لتلك الاصول أخيرا بالاستغناء عنها بهذه الكتب المتداولة ؛ لكونها أحسن ترتيبا وأوضح تبويبا ، وإلّا فقد بقيت تلك الاصول إلى عصر ابن إدريس ، وابن طاوس ـ رضياللهعنهما ـ وقد نقلا منها شيئا كثيرا ، كما لا يخفى على من لاحظ كتاب (السرائر) لابن إدريس ، وما نقله في آخره ممّا استطرفه من تلك الاصول ، وكذا كتب رضي الدين بن طاوس.
ومما عد من هذا القبيل وجوب القصد إلى السورة ، ووجوب قصد الخروج
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : ١٤٠ ـ ١٤١.
(٢) من «ح» ، وفي «ق» : المعتبر.
(٣) معارج الاصول : ٢١٢ ـ ٢١٣.
(٤) انظر الدرر ١ : ١٥٥ ـ ١٨٦ / الدرة : ٦.