الإمام عليهالسلام الموجبة لاتّباعه والاقتداء به من معرفته بالإمامة وظهور دلائلها ، فكذا لا بدّ في نائبه من معرفته بما يوجب له صحة النيابة. ومجرد الاتصاف بالعلم خاصّة غير كاف ، بل لا بدّ من الاتصاف بعلم الأخلاق.
والسبب في استبعاد هذين العمدتين لهذا الخبر وأمثاله مع اعتضاده ـ كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى ـ بجملة أخبارهم عليهمالسلام في هذا الباب وكلام جملة من أجلّاء الأصحاب هو عدم إعطاء التأمل حقه في الأخبار ، والوقوف على ما اشتهر بينهم وعند الناس في أكثر الأعصار من أن كل من حصّل حظا وافرا من العلوم ، وصارت له اليد الطولى في استنباط كلّ مفهوم ـ وإن كان في زماننا هذا قد تسافل الحال بل إلى الاضمحلال ، فلا تجد إلّا مجرد الدعوى ، وبسط لسان المقال (١) تصدر للحكم والفتوى وإن كان عاريا عن جملة من تلك الأخلاق التي هي السبب الأقوى ؛ بل هي العروة الوثقى في الفوز بتلك المرتبة القصوى.
وحيث إن هذا العلم ـ أعني : علم الأخلاق ـ مما قد اندرست معالمه ، وانطمست مراسمه ؛ فمن هنا نشاهد (٢) هذا الاستبعاد ، كما سيظهر لك إن شاء الله بأوضح دلالة لا يعتريها الإيراد.
ثم إنه مما يدل على ما قلنا من حمل الخبر المذكور على النائب عنهم عليهمالسلام المتصدر للجلوس في مقامهم ما ذكره الإمام العسكري عليهالسلام (٣) في تفسيره قبل هذا الخبر ، ثم صبّ هذا الخبر عليه. وصاحب (الاحتجاج) إنما رواه عنه حيث قال : «حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبضه بقبض العلماء ، فإذا لم ينزل عالم إلى عالم يصرف عنه طلاب
__________________
(١) في «ح» : القال.
(٢) في «ح» : نشأ.
(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٥٢ ـ ٥٥ / ٢٥ ـ ٢٦.