المصيب ؛ فإن الشيطان يفتح له أبوابا يريه (١) [بها] أن الذي يأتي به ليس بمعصية ، بل يسوّل له أنه من قبيل الطاعات ، وأن العذر فيها واضح لمن سمعه أو رآه من الناس.
وقد رأينا بين من أدركناه من العلماء الأعلام ، وأرباب النقض والإبرام من الحسد الذي ورد فيه أنه يأكل الأعمال كما تأكل النار الحطب (٢) ، والغيبة التي صارت في جملة الأوقات نقلا (٣) للمجالس والمجامع ، فلا يعاب ولا يستعاب على ناقل لها ولا سامع ، وحب (٤) التقدم والتصدر والرئاسة في الامور ما يضيق له متسع الصدور. ومع ذلك كله فلم يكن قادحا فيهم بين الناس ، ولا موجبا للشك فيهم والوسواس ؛ لأنها أشياء قد صارت مضادة للخلق غير منكورة ، والسبب في ذلك كله فساد العلماء ؛ فإن الناس تبع لهم ، فإنهم يظهرون للناس من الوجوه والأعذار في تلك الامور ما يدخلها في قالب المشروع المندوب إليه المأمور.
ولذا قال بعض الأجلّاء العارفين : (إن عامة الناس أبدا دون المتلبس بالعلم بمرتبة ، فإذا كان ورعا تقيا صالحا تلبست العامة بالمباحات ، وإذا اشتغل بالمباح تلبست العامة بالشبهات ، فإذا دخل في الشبهات تعلق العامي بالحرام ، فان تناول الحرام كفر العامي) (٥) انتهى.
وكفى شاهدا على صدق هذا البيان العيان وعدول الوجدان ، فضلا عن نقل الأعيان ، ولله در من قال من ذوي الكمال :
__________________
(١) في «ح» : يريد.
(٢) انظر الكافي ٢ : ٣٠٦ / ١ ـ ٢ ، باب الحسد.
(٣) النّقل ـ بالضمّ ، وبعضهم يفتح النون ـ : ما يتنقل به على الشراب. مختار الصحاح : ٦٧٧ ـ نقل.
(٤) معطوف على (الحسد) من قوله : وقد رأينا .. من الحسد .. ، أو على (الغيبة).
(٥) انظر : منية المريد : ١٦٢ ـ ١٦٣ ، المحجّة البيضاء ١ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، والكلام بمعناه من غير نسبة لأحد في التفسير الكبير ٢ : ١٧٠.