وراعي الشاة يحمي الذئب عنها |
|
فكيف إذا الرعاة لها ذئاب (١) |
وقال آخر :
يا معشر القراء يا ملح البلد |
|
ما يصلح الملح إذا الملح فسد (٢) |
أقول : وهذا هو السر فيما ورد أن قوام الدنيا واستقامتها باستقامة العلماء (٣) ، وإن زلة العالم زلة العالم (٤). وقد شاهدنا من بعض علماء عصرنا غيبة بعضهم لبعض ، برغم تحذير الناس عنهم وعن الاغترار بهم ، وربما كان المستغاب أتقى وأورع من المستغيب ، وقد أدركنا رجلين من مشايخنا المشهورين ، اللذين [هما] (٥) عمدة البلاد ، و [إليهما] (٦) رجوع من فيها من العباد بلغ بهما التحاسد والعداوة والعناد إلى أنهما معا يصليان الجمعة إمامين في موضع يسمع أذان كلّ منهما الآخر ، وجملة من الناس يعتقدون بواحد ، وآخرون بالآخر.
وبالجملة ، فإن الأمر في علماء هذه الأزمان قد بلغ إلى مبلغ لا يحتاج إلى الشرح والبيان من حبهم للدنيا وحب الرئاسة والتقدم في الامور (٧) ، والحسد والغيبة وأمثالها مما هو ظاهر مشهور ومتعارف غير منكور. والسبب في ذلك كله هو الاغترار بهذه (٨) العلوم الرسمية التي حصلوها ، والغفلة عن ملاحظة تلك العلوم الأصلية والاصول الحقيقية ؛ لأنها قد صارت مهجورة في أكثر الأزمان ، وغير معمول عليها في كل مكان ، بل نظر الناس من عالم وغيره ، إنما هو إلى تحصيل هذه العلوم الرسمية ، ودقة النظر فيها ، وجودة الفكر واستخراج معانيها.
__________________
(١) البيت من الوافر. إحياء علوم الدين : ٦١.
(٢) البيت من الرجز. إحياء علوم الدين : ٦١.
(٣) غرر الحكم ودرر الكلم : ٥٠٤ / ١٠٥ ، بحار الأنوار ٢ : ٣٦ / ٤٤.
(٤) نسبه في إحياء علوم الدين ١ : ٦٤ إلى الخليفة الثاني.
(٥) في النسختين : هم.
(٦) في النسختين : إليهم.
(٧) في «ح» : للأمور. بدل : في الامور.
(٨) في «ح» : بهذا.