فمن كان أطول يدا في ذلك صار هو المشار إليه والمعتمد عليه وإن كان عاريا من (١) ذلك بالكلية ، وهذه البلية في الدين هي أصل كل بلية ، بل ربما أدى منهم (٢) الحرص على هذه العلوم الرسمية وشدة الرغبة في تحصيلها إلى التهاون بالعبادات والصلوات ، وتأخيرها عن أوقاتها ، أو الإتيان بها على غير ما هو حقها ، وترك بعض السنن المرغب فيها.
وقد أخبرني من أثق به عن بعض مشايخنا الذي رجعت إليه في وقته رئاسة البلاد ، وعكف عليه جملة من فيها ، بل في غيرها من العباد أنه بعد أن كان مواظبا على صلاة الليل تركها اشتغالا بالمطالعة للعلوم ، محتجا بما ورد من فضل العلم على العبادة ، وفضل العالم على العابد ، وهو (٣) مما يقضى منه العجب من مثل ذلك العلّامة الذي أذعن له في وقته العجم والعرب.
ولو صح هذا له قدسسره للزم أن تكون تلك الأوامر الشرعية بالنوافل وسائر الطاعات وصنوف العبادات ، إنما توجهت للجاهل خاصة ، وخطاب هذا العالم إنما هو بتحصيل العلم وتعليمه الجهّال ، وإلّا فهو غير مخاطب بها ، ولا هي مطلوبة منه ، وهل هو حينئذ إلّا كالسراج الذي يحرق نفسه ليضيء لغيره؟ وكيف غفل قدسسره عن الأخبار الّتي قدّمنا جملة منها الدالة على وجوب إرداف العلم بالعمل ، وإلّا لمضى عنه وارتحل وبقي صاحبه في خوف ووجل؟ ما هذه إلّا خدعة شيطانية.
والحديث الذي نقل عنه قدسسره ، الدال على تفضيل العالم على العابد ، ليس إلّا باعتبار أن العالم (٤) ثمرة علمه هو عمله بموجبه ، وتعليمه الناس ، فهو أفضل من العابد الذي ثمرة عبادته إنما تعود عليه خاصّة. ولو كان العالم لا يعمل بعلمه ولا
__________________
(١) في «ح» : عن.
(٢) ليست في «ح».
(٣) في «ح» : وهما.
(٤) في «ح» بعدها : يكون.