يفيده غيره لكان كالشجرة الخالية من الثمر ، ولو كان إنما هو لإفادة الغير خاصة لكان كالسراج الذي يحرق نفسه ويضيء لغيره ، فإنه يسهر الليل ، ويتعب في الطلب. ويتحمل المشقّة والنصب لأجل الناس.
وبالجملة ، ففضل العلم وفضيلة العالم إنّما يتحقّق مع إضافة العمل وضمه إليه لا بدونه ، وحينئذ فالعالم الحقيقي ومصداق هذا العنوان التحقيقي إنما هو من اتّصف بتلك العلوم الجليلة التي أشرنا إليها مع ما يحتاج إليه لنفسه ، أو لنفسه وغيره من هذه العلوم الرسميّة المشهورة ، دون من اختصّ بهذه كما توهّمه من لا تأمّل له ولا تحقيق ، ولم ينظر في الأدلّة القطعية (١) بالنظر الدّقيق.
وكفاك شاهدا على صحّة ما ذكرنا قوله سبحانه (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٢) ، فمناط الخشية العلم ، ولا يخفى أن الخشية لا ترتّب لها على هذه العلوم ، لمجامعتها للفسق كما هو معلوم من علماء السوء وفسّاق العلماء ، وإنما ترتب على تلك العلوم (١) ، كما تقدم بيانه في الخبر المتقدّم.
__________________
(١) أقول : وممّا يدخل في هذا المقام ، وينتظم في سلك هذا النظام ما ذكره المحقق رحمهالله في أوّل (المعتبر) حيث قال ـ ونعم ما قال ـ : (إن في الناس المستعبد نفسه لشهوته ، المستغرق وقته في أهويته مع إيثاره الاشتهار بآثار الأبرار ، واختياره الاتّسام بسير الأخيار ؛ إما لأن ذلك في جبلّته ، أو لأنه وسيلة إلى حطام عاجلته. فيثمر هذان الخلقان نفاقا غريزيا وحرصا على الرئاسة الدينية طبيعيا ، فإذا ظهرت لغيره فضيلة عليه خشي غلبة المزاحم ، ومنافسة المقاوم ، ثم يمنعه نفاقه من المكافحة ، فيرسل القدح في ذي المناصحة ، ويقول : لو قال كذا لكان أقوم ، لو لم يقل كذا لكان أسلم ، موهما أنه أوضح كلاما وأرجح مقاما. فإذا ظفرت بمثله ، فليشغلك الاستعاذة بالله من بليته عن الاشتغال بإجابته ، فإنه شر الرجال ، وأضر على الامة من الدجّال) (٣) إلى آخر كلامه قدسسره منه (هامش «ح»).
__________________
١ـ في «ح» : العقلية.
٢ ـ فاطر : ٢٨.
٣ ـ المعتبر ١ : ٢١.