ويعضده أيضا قوله سبحانه (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (١) ؛ فإن المراد بالفقه في الآية على ما ذكره جماعة من أصحابنا منهم شيخنا البهائي في كتاب (الأربعين) ، وشيخنا الشهيد الثاني في كتاب (منية المريد) (٢) ، والمحقق الشّارح المازندراني (٣) إنما هو العمل بتلك العلوم الّتي أشرنا إليها ، وهي الّتي يحصل بها الإنذار ، والتي يترتب عليها الحذر ، لا هذه العلوم الرسميّة. ومما يؤيد ما قلناه ويؤكّد ما سطرناه ما صرّح به جملة من علمائنا الأعلام في هذا المقام منهم (٤) الشهيد الثاني في كتاب (منية المريد) ، قال قدسسره : (وللعالم في تقصيره في العمل بعد أخذه بظواهر الشريعة ، واستعمال ما دوّنه القدماء من الصلاة والصّيام والدعاء وتلاوة (القرآن) ، وغيرها من العبادات ضروب اخر ، فإنّ الأعمال الواجبة عليه فضلا عن غير الواجبة غير منحصرة فيما ذكر ، بل من الخارج عن الأبواب الّتي رتبها الفقهاء ما هو أهمّ ، ومعرفته أوجب ، والمطالبة [به] والمناقشة عليه أعظم ، وهو تطهير النفس من الرذائل الخلقية من الكبر والرّياء والحسد والحقد وغيرها من الرذائل المهلكات ، مما هو مقرّر في علوم تختصّ به ، وحراسة اللّسان عن الغيبة والنميمة ، وكلام ذي اللسانين ، وذكر عيوب المسلمين وغيرها.
وكذا القول في سائر (٥) الجوارح فإن لها أحكاما تخصّها ، وذنوبا مقرّرة في محالّها ، لا بدّ لكل أحد من تعلمها وامتثال حكمها ، وهي تكليفات لا توجد في كتاب البيوع والإجارات وغيرها من كتب الفقه ، بل لا بدّ [من] (٦) الرجوع فيها إلى علماء الحقيقة العاملين وكتبهم المدوّنة في ذلك. وما أعظم اغترار العالم بالله في
__________________
(١) التوبة : ١٢٢.
(٢) منية المريد : ١٥٧.
(٣) شرح اصول الكافي ١ : ٤٦ ـ ٤٧.
(٤) في «ح» بعدها : شيخنا.
(٥) ليست في «ح».
(٦) في النسختين : في.