فانظر ـ أيدك الله تعالى ـ إلى صعوبة المقام ، وخطره التام ، وتدبر في كلمات هؤلاء الأعلام ، وهل كلامه عليهالسلام في الخبر المبحوث عنه إلّا على نحو هذه الكلمات من بيان ما ينبغي أن يكون عليه العالم الحقيقي من الصفات؟
وقال بعض الفضلاء : (ولا تظنن أن ترك المال يكفي للّحوق بعلماء الآخرة ، فإن الجاه أضرّ من المال ، ولذلك قيل (١) : حدثنا باب من أبواب الدنيا ، فإذا سمعت الرجل يقول : حدثنا فإنما يقول : أوسعوا لي. وقيل : فتنة الحديث أشدّ من فتنة الأهل والمال والولد. وقيل : العلم كله دنيا والآخرة منه العمل به ، والعمل (٢) كله هباء إلّا الإخلاص.
قال عيسى عليهالسلام : «كيف يكون من أهل العلم من [مسيره إلى آخرته] (٣) وهو مقبل على دنياه؟ وكيف يكون من أهل العلم من يطلب العلم ليخبر به لا ليعمل به؟» (٤).
وعن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «من طلب علما مما يبتغى به وجه الله تعالى ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» (٥).
وقد وصف الله عزوجل علماء السوء بأكل الدنيا بالعلم ، ووصف علماء الآخرة بالخشوع والزهد ، فقال في علماء الدنيا (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) (٦) ، وقال في علماء الآخرة (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٧).
__________________
(١) في المصدر : ولذلك قال بشر.
(٢) في «ح» بعدها : به.
(٣) من المصدر ، وفي النسختين : يكون سبيله إلى الفرقة.
(٤) انظر : الكافي ٢ : ٣١٩ / ١٣ ، باب حب الدنيا والحرص عليها ، منية المريد : ١٤١ ، بحار الأنوار ٢ : ٣٨ ـ ٣٩ / ٦٦.
(٥) منية المريد : ١٣٤ ، بحار الأنوار ٢ : ٣٨ / ٥٨ ، سنن أبي داود ٣ : ٣٢٣ / ٣٦٦٤.
(٦) آل عمران : ١٨٧.
(٧) آل عمران : ١٩٩.