أمَّا حديث : تركت فيكم كتاب الله وعترتي فقد رواه مسلم في صحيحه بعدّة طرق (١) ، وروته كل الصحاح الستة ما عدا البخاري ، وعدد الرواة الذين نقلوا الحديث من الصحابة يتجاوز الثلاثين راوياً ، ممَّا يعني أنّه حديث متواتر مقطوع الصدور عند السنّة والشيعة ، فكيف نتنازل عنه من أجل حديث لا سند له؟ ومن هنا كان من الواجب على كل مسلم أن يتبع أهل البيت عليهمالسلام في كل أمور دينه.
قلت : هناك حديث آخر يقول : عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضّوا عليها بالنواجذ (٢) ، فنستفيد من هذا الحديث أوَّلا التمسُّك بسنّة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وسنَّة الخلفاء ثانياً.
خالي : هذه إسقاطات لا يقبلها النص ، أولا ـ بعيداً عن مناقشة سند الحديث الذي استفرد بنقله أبو داود وابن ماجة والترمذي ، وتجاوزنا عن تضعيف بعض الرواة في أسانيده ـ فإنّ هذا الحديث لا يتحمَّل أكثر من دعم رأي الشيعة ، وذلك أنّ كلمة الخلفاء هنا لا تعني الخلفاء الأربعة ، أو الذين حكموا في التأريخ ؛ لأن هذا إسقاط تأويلي متأخِّر عن النص ، فتسمية الخلفاء الراشدين للأربعة الذين حكموا ليست هي تسمية شرعيّة ، وإنّما تسمية المؤرِّخين الذين حكموا على فترة حكم الخلفاء بالرشد ، فبالتالي لا يكون الخلفاء مصداقاً لهذا الحديث لمجَّرد اشتراك التسمية ، فيكون التفسير الأقرب أن الخلفاء المقصودين هم أئمة أهل البيت الاثنا عشر عليهمالسلام ، وذلك لقول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في البخاري في باب الخلافة ، ومسلم وغيرهما من الصحاح عشرين رواية ـ كما جعلها
__________________
١ ـ صحيح مسلم : ٧/١٢٣. وقد تقدَّم المزيد من تخريجات هذا الحديث المتواتر.
٢ ـ سنن ابن ماجة : ١/١٦ ح ٤٢ ، شرح معاني الآثار ، ابن سلمة : ١/٨١ ، أحكام القرآن ، الجصاص : ١/٥٣٠.