المعنى الجملي
بعد أن وبخ سبحانه أهل الكتاب على كفرهم وصدهم عن سبيل الله ، وأقام الحجج عليهم وأزال شبهاتهم ـ خاطب المؤمنين محذّرا لهم من إغوائهم وإضلالهم : مبينا لهم أن مثل هؤلاء لا ينبغى أن يطاعوا ، ولا أن يسمع لهم قول ، فهم دعاة الفتنة وحمالو حطبها ، ثم أمرهم بعد ذلك بتقواه والتمسك بحبله المتين ، ثم بتذكر نعمته عليهم ؛ وفعل الإنسان إما عن رهبة وإما عن رغبة ، والرهبة مقدمة على الرغبة ، وقد أشار إلى الأولى بقوله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) ، وإلى الثانية بقوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ).
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) أي إنكم أيها المؤمنون إذا أصغيتم إلى ما يلقيه إليكم هؤلاء اليهود مما يثير الفتنة ، ولنتم لهم فى القول ، واستجبتم لما يدعونكم إليه ـ ردوكم إلى الكفر بعد الإيمان كما قال تعالى : «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ» والكفر يوجب الهلاك فى الدنيا والدين ؛ أما فى الدنيا فبوقوع العداوة والبغضاء ، وهيجان الفتنة المؤدى إلى سفك الدماء ، وأما فى الدين فلا حاجة إلى بيانه.
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ؟) أي ومن أين يتطرق إليكم الكفر ، والحال أن القرآن يتلى عليكم على لسان رسوله غضا طريّا ، وبين أظهركم ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبهكم ويعظكم ، ويبين لكم ما أنزل إليكم ، ولكم فى سنته خير أسوة تغذّى إيمانكم ، وتنير قلوبكم ، فلا ينبغى لمثلكم أن تلتفتوا إلى قولهم ، بل الواجب عليكم أن ترجعوا عند كل شبهة تسمعونها من