ومما سلف تعلم أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو سبب الفضيلة ، كما تقول : محمد كريم ، يطعم الناس ويكسوهم ، ويعنى بشئونهم.
وهذه الصفات وإن شاركتها فيها سائر الأمم ، فهى لم تكن فيها على الوجه الذي لهذه الأمة ، فالأمر بالمعروف كان فيها على آكد وجوهه ، وهو القتال إذا دعت إليه الحاجة ، وقد يحصل بالقلب واللسان ، ولكن أقواه ما كان بالقتال لأنه إلقاء للنفس فى خطر الهلاك.
وأعظم المعروفات الدين الحق ، والإيمان بالتوحيد والنبوة ، وأنكر المنكرات الكفر بالله ، ومن كان فرض الجهاد فى الدين يحمّل الإنسان أعظم المضار لإيصال غيره إلى أعظم المنافع ، وتخليصه من أعظم الشرور ، لهذا كان عبادة من العبادات ، بل كان أجلّها وأعظمها ، وهو فى ديننا أقوى منه فى سائر الأديان.
لا جرم كان ذلك موجبا لفضل هذه الأمة على سائر الأمم ، وهذا ما عناه ابن عباس بقوله فى تفسير هذه الآية أي تأمرونهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ، ويقروا بما أنزل الله ، وتقاتلونهم عليه ، ولا إله إلا الله أعظم المعروف ، والتكذيب أنكر المنكرات.
والخلاصة ـ إن هذه الخيرية لا تثبت لهذه الأمة إلا إذا حافظت على هذه الأصول الثلاثة ، فإذا تركتها لم تكن لها هذه المزية ، ومن ثم أكد الأمر بهذه الفريضة فى آيات هذه السورة بما لم يعرف له نظير فى الكتب السابقة.
وقدم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على الإيمان بالله فى الذكر ، مع أن الإيمان مقدم على كل الطاعات ، لأنهما سياج الإيمان وحفاظه ، فكان تقديمهما فى الذكر موافقا للمعهود عند الناس فى جعل سياج كل شىء مقدما عليه.
(وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أي ولو آمنوا إيمانا صحيحا يستولى على النفوس ، ويملك أزمة القلوب ، فيكون مصدر الفضائل والأخلاق الحسنة ، كما تؤمنون ـ لكان ذلك خيرا لهم مما يدّعونه من إيمان لا يزع النفوس عن