الشرور ، ولا يبعدها عن الرذائل ، إذ هو لم يؤت ثمرات الإيمان الصحيح الذي يحبه الله ورسوله ، ولا كان أثرا من آثاره الأمر بالمعروف ولا النهى عن المنكر.
وبهذا تعلم أن الإيمان المنفي عنهم إيمان خاص له تلك الآثار التي تقدمت ، لا الإيمان الذي يدعيه كل من له دين وكتاب ، كما أنه إنما نفاه عن أكثر أفراد الأمة ، وأنهم هم الذين فسقوا وخرجوا عن حقيقة الدين ، ولم يبق عندهم إلا بعض الرسوم والتقاليد الظاهرة ـ لا عن جميعها ، إذ لا تخلو أمة ذات دين سماوى من هذا الإيمان ، ومن ثمّ قال :
(مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) أي منهم المؤمنون المخلصون فى عقائدهم وأعمالهم كعبد الله بن سلام ورهطه من اليهود ، والنجاشي ورهطه من النصارى ، وأكثرهم فاسقون عن دينهم متمردون فى الكفر.
وما من دين إلا يوجد فيه الغالون والمعتدلون والمفرّطون المائلون إلى الفسوق والعصيان.
ويكثر الاستمساك بالدين فى أوائل ظهوره ، كما يكثر الفسق بعد طول الأمد عليه ، كما قال تعالى : «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ، وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ».
ولم يحكم الدين على أمة حكما عاما بالفسق والضلال ، بل تارة يعبر بالكثير ، وأخرى بالأكثر كقوله فى بنى إسرائيل «فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً» وقوله فى النصارى واليهود «مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ».
وعلى الجملة فالقرآن إذا عرض لوصف الأمم وبيان عقائدها وأخلاقها ، وزن ذلك بميزان دقيق يتحرى فيه ذكر الحقيقة مجردة عن كل مغالاة أو مبالغة بما لم يعهد مثله فى كتاب آخر.