وهذه الآية حجة على أن دين الله واحد على ألسنة جميع الأنبياء ، وأن من أخذه مذعنا ، وعمل به مخلصا ، وأمر بمعروف ونهى عن منكر فهو من الصالحين.
كما أن فيها استمالة لأهل الكتاب ، وتقديرا للعدل الإلهى ، وقطعا لاحتجاج من يعرفون الإيمان والإخلاص ، إذ لو لا هذا النص لكان لهم أن يقولوا : لو كان هذا القرآن من عند الله لما ساوانا بغيرنا من الفاسقين.
واستقامة بعضهم على الحق من دينهم لا ينافى ضياع بعض كتبهم ، وتحريف بعضهم لما فى أيديهم منها ، ألا ترى أن من يحفظ بعض الأحاديث ويعمل بما علم ، ويستمسك به مخلصا فيه ـ يقال إنه قائم بالسنة عامل بالحديث.
٢ ، ٣ ـ (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) أي يتلون القرآن بالليل وهم يصلون متهجدين ، وخص السجود بالذكر من بين أركان الصلاة لدلالته على كمال الخضوع والخشوع.
٤ ، ٥ ـ (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي يؤمنون إيمان إذعان بهما على الوجه المقبول عند الله ، ومن ثمرات ذلك الخشية والخضوع والاستعداد لذلك اليوم ، لا إيمانا لا حظّ لصاحبه منه إلا الغرور والدعوى ، كما هو حال سائر اليهود ، إذ يؤمنون بالله واليوم الآخر ، لكنه إيمان هو والعدم سنواء ، لأنهم يقولون عزيز ابن الله ، ويكفرون ببعض الرسل ، ويصفون اليوم الآخر بخلاف صفته.
ولما كان كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته ، والخير للعمل به ، وكان أفضل الأعمال الصلاة ، وأفضل الأذكار ذكر الله ، وأفضل العلوم معرفة المبدإ والمعاد ـ وصفهم الله بقوله : (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ) للدلالة على أنهم يعملون صالح الأعمال ، وبقوله : (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) للإشارة إلى فضل المعارف الحاصلة فى قلوبهم.
٦ ـ (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي إنهم بعد أن كملوا أنفسهم علما وعملا كما تقدم ، يسعون فى تكميل غيرهم إما بإرشادهم إلى ما ينبغى بأمرهم بالمعروف ، أو بمنعهم عما لا ينبغى بالنهى عن المنكر.