إذ أذاعوا عن المؤمنين من قالة السوء ما أذاعوا ، ثم خرجوا معهم ، وانشقوا عنهم فى الطريق ، ورجعوا بثلث الجيش ، ليوقعوا الفشل بين صفوفهم ويخذلوهم أمام عدوهم وما كان من كيد المشركين وتألبهم عليهم ، ولم يكن لذلك من واق إلا الصبر حتى عن الغنيمة التي طمع فيها الرماة فتركوا مواقعهم ، وإلا تقوى الله ، ومن أهم دعائمها طاعة الرسول فيما به أمر وعنه نهى ، وذكّرهم أيضا بما كان يوم بدر من نصرهم على عدوهم على قلتهم ، إذ جعلوا الصبر جنتهم ، وتقوى الله عدّتهم ، فأصابوا من عدوهم ما أصابوا ، وكان لهم الفلج عليهم مما لا يزال مكتوبا فى صحيفة الدهر مثلا خالدا لصدق العزيمة ، والبعد عن مطامع هذه الحياة.
الإيضاح
(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) أي واذكر لهم أيها الرسول وقت خروجك من بيتك غدوة وهى غدوة سحر يوم السبت سابع يوم من شوال من سنة ثلاث للهجرة ؛ تهيىء أمكنة للقتال ، منها مواضع للرماة ، ومواضع للفرسان ، ومواضع لسائر المؤمنين.
(وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي والله سميع لما يقول المؤمنون لك فيما شاورتهم فيه من موضع لقائك عدوك وعدوهم ، كقول من قال : اخرج بنا إليهم حتى نلقاهم فى خارج المدينة ، وقول من قال : لا تخرج إليهم وأقم بالمدينة حتى يدخلوها علينا ، ولما تشير به أنت عليهم ، عليم بأصلح تلك الآراء لك ولهم وبنيّة كل قائل ؛ من أخلص منهم فى قوله وإن أخطأ فى رأيه كالقائلين بالخروج إليهم ، ومن لم يخلص فى قوله ؛ وإن كان صوابا كعبد الله بن أبىّ ومن معه من المنافقين.
قال ابن جرير : ضرب الله مثلا أو مثلين على صدق وعده فى الآية السابقة «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً» بتذكيرهم بما كان يوم أحد من