وقوع المصيبة بهم عند ترك الرماة الصبر (وذنب الجماعة أو لأمة لا يكون عقابه قاصرا على من اقترفه بل يكون عاما) وبما كان يوم بدر إذ نصرهم على قلتهم وذلتهم.
(إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) أي والله سميع عليم حين همت بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس ؛ وكانا جناحى عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أن تضعفا وتجبنا عن القتال حين رأوا انخزال عبد الله بن أبىّ ومن معه عن رسول الله.
وهذا الهمّ لم يكن عزيمة ممضاة ، ولكنها كانت حديث نفس ؛ وقلما تخلوا النفس عند الشدة من بعض الهلع ؛ فإن ساعدها صاحبها ذمّ ؛ وإن ردها إلى الثبات والصبر فلا بأس بما فعل ؛ ومما يدل على أن ذلك الهمّ لم يصل إلى حد العصيان قوله تعالى :
(وَاللهُ وَلِيُّهُما) أي متولى أمورهما لصدق إيمانهما ؛ لذلك صرف الفشل عنهما وثبتهما ؛ فلم يجيبا داعى الضعف الذي ألمّ بهما عند رجوع المنافقين ؛ وكانوا نحو ثلث العسكر ؛ بل تذكروا ولاية الله للمؤمنين ؛ فوثقا به وتوكلا عليه.
(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي إن المؤمنين ينبغى أن يدفعوا ما يعرض لهم من جزع أو مكروه بالتوكل على الله ؛ لا بحولهم وقوتهم ؛ ولا بأنصارهم وأعوانهم ، بعد أخذ الأهبة والعدّة تحقيقا لسنن الله فى خلقه ؛ إذ جعل الأسباب مفضية إلى المسببات ؛ وهو الخالق للسبب والمسبب ؛ والموجد للصلة بينها.
فبقدرته تعالى ينصر الفئة القليلة على الفئة الكثيرة كما نصر المؤمنين يوم بدر على قلة منهم فى العدد والعدد والسلاح ؛ وفى سائر عتاد الجيش ولذا قال.
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) أي إنكم إن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا وينصركم ربكم كما نصركم على أعدائكم وأنتم يومئذ فى قلة من العدد وفى غير منعة من الناس ؛ حتى أظهركم على عدوكم مع كثرة عددهم وعظيم منعتهم ؛ فأنتم اليوم أكثر عددا منكم حينئذ ؛ فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم فى ذلك اليوم.