ثم بين سبحانه أنه أنعم على بنى إسرائيل بالتوراة ، وجعلها هدى لهم لكنهم لم يهتدوا بها فقال :
(وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) أي وأوحينا إلى بنى إسرائيل فيما أنزلناه فى التوراة على موسى فأعلمهم به : لتعصنّ الله ولتخالفنّ أمره مرتين : أولا هما تغيير التوراة وقتل شعيا عليه السلام وحبس إرميا حين أنذرهم سخط الله. والثانية قتل زكريا ويحيى وقصدهم قتل عيسى عليهم السلام ولتستكبرنّ عن طاعة الله ، ولتبغنّ على الناس ، ولتظلمنهم ظلما شديدا ، تفرطون فيه ، وتبلغون أقصى الغاية.
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) أي فإذا حان وقت حلول العقاب الموعود أرسلنا عليكم لمؤاخذتكم بجنايتكم عبادا لنا أولى بطش شديد فى الحروب ، هم سنحاريب ملك بابل وجنوده ، أوغلوا فى البلاد ، وترددوا بين الدور والمساكن ، للقتل والسلب والنهب ، وقتلوا علماءكم وكبراءكم ، وأحرقوا التوراة وخرّبوا بيت المقدس ، وسبوا منكم عددا كثيرا ، وكان ذلك وعدا نافذا لا مردّ له.
(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) أي ثم رجعت لكم الدّولة والغلبة على الذين فعلوا بكم ما فعلوا ، حين تبتم ورجعتم عما كنتم عليه من الإفساد والعلوّ ، فغزوتم البابليين واستنقذتم الأسرى والأموال ، ورجع الملك إليكم ، وكثرت أموالكم بعد أن نهبت ، وأولادكم بعد أن سبيت ، وصرتم أكثر عددا ، وأعظم قوة مما كنتم من قبل ، وذلك بفضل طاعته تعالى والإخبات إليه ومن ثم قال :
(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) أي إن أحسنتم فأطعتم الله ولزمتم أمره وتركتم نهيه ـ أحسنتم لأنفسكم ، لأنكم تنفعونها بذلك فى دنياها وآخرتها ؛ أما فى الدنيا فإن الله يدفع عنكم أذى من أرادكم بسوء ، ويرد كيده فى نحره ، وينمّى