الإيضاح
(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) أي وأعطينا موسى التوراة وجعلنا فيها هداية لبنى إسرائيل ، وقلنا لهم : لا تتخذوا من دونى وليا ولا نصيرا تكلون إليه أموركم ، وهذه مقالة أوحى الله بها إلى كل نبى أرسله ، أمرهم جميعا أن يعبدوه وحده لا شريك له ، وألا يعوّلوا فى أمر إلا عليه.
وقد جاءت هذه الآية عقب ذكر آية الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلّم من قبل أن موسى أوتى التوراة بمسيره إلى الطور ، كما أسرى بمحمد إلى بيت المقدس.
ثم نبّه إلى عظيم شرف بنى إسرائيل ، وإتمام نعمته عليهم ، ليكون فى ذلك تهييج لهم ، وبيان لعظيم المنة عليهم فقال :
(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) أي يا سلالة ذلك النبي الكريم الذي شمله الله بجميل رعايته ، وأنجاه من غرق الطوفان ، بما ألهمه من عمل السفينة التي حمل فيها من كل زوجين اثنين ، أنتم من حفدة أبنائه ، فتشبهوا بأبيكم ، واقتدوا به ، فإنه كان عبدا شكورا أي مبالغا فى الشكر ، بصرفه كل ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله ، فاللسان لذكر الله ، والعقل للفكر فيما خلق الله ، والبصر للتأمل فيما صنع الله ، وهكذا بقية الحواس وأعضاء الجسم.
أخرج ابن مردويه عن معاذ بن أنس الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : «إن نوحا كان إذا أمسى وأصبح قال سبحان (اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ).
وأخرج ابن جرير والبيهقي والحاكم عن سلمان الفارسي قال : «كان نوح إذا لبس ثوبا أو أطعم طعاما حمد الله تعالى فسمّى عبدا شكورا».
وفى هذا إيماء إلى أن إنجاء من كان معه كان ببركة شكره ، وفيه حث للذرية على الاقتداء به ، وزجر لهم عن الشرك الذي هو أفظع مراتب الكفر.