او حديدا أو خلقا مما يستبعد عندكم قبوله للحياة كالسموات والأرض والجبال ، فإن الله لا يعجزه إحياؤكم لتساوى الأجسام فى قبولها الأعراض المختلفة ، فكيف إذا كنتم عظاما بالية ، وقد كانت قبل حيّة ، والشيء أقبل لما عهد فيه مما لم يعهد؟.
وخلاصة هذا ـ إنكم لو كنتم كذلك لما أعجزتم الله عن الإعادة والإحياء ، وهذا كما يقول القائل للرجل : أتطمع فىّ وأنا فلان ؛ فيقول : كن ابن من شئت ، كن ابن الخليفة ، فسأطلب منك حقى.
وجملة المعنى ـ إن فى هذا مبالغة أيّما مبالغة فى قدرة القادر العليم على الإعادة والإحياء ، كما يقال : لو كنت عين الحياة فالله يميتك ، ولو كنت عين الغنى فالله يفقرك.
وبعد أن استبعدوا الإعادة استبعدوا صدورها وهى على هذه الحال حجارة أو حديدا من أىّ معيد. كما حكى عنهم سبحانه بقوله :
(فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا؟ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي فسيقولون لك من يعيدنا ونحن على هذه الحال؟ قل لهم تحقيقا للحق وإزاحة للاستبعاد ، وإرشادا إلى طريق الاستدلال : الذي يفعل ذلك هو القادر العظيم ، الذي ذرأكم أول مرة على غير مثال يحتذى ، ولا منهاج معين ينتحى ، وكنتم ترابا لم يشمّ رائحة الحياة ، أليس الذي يقدر على ذلك ، يقدر على أن يفيض الحياة على العظام البالية ، ويعيدها إلى ما كانت عليه أولا؟ بلى إنه سبحانه على كل شىء قدير.
ثم بين جلّت قدرته ما يفعلون حين سماع هذه الإجابة فقال :
(فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) قال أبو الهيثم يقال لمن أخبر بشىء فحرك رأسه إنكارا له : قد أنغض ، أي إنك إذا قلت لهم ذلك يحركون رءوسهم استهزاء وتكذيبا ، ثم يسألون.
(وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ؟) أي متى هذا البعث ، وفى أي وقت وحال يعيدنا خلقا جديدا كما كنا أول مرة ، ومقصدهم من هذا السؤال استبعاد حصوله.