روى عن ابن عباس «أن أشراف مكة أرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وهم جلوس عند الكعبة ، فأتاهم فقالوا يا محمد إن أرض مكة ضيّقة ، فسيّر جبالها لننتفع بأرضها ، وفجرّ لنا فيها نهرا وعيونا نزرع فيها ، فقال لا أقدر عليه ، فقال قائل : أو يكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ، فقال لا أقدر عليه ، فقيل أو يكون لك بيت من زخرف (ذهب) فيغنيك عنا ، فقال لا أقدر عليه ، فقيل له أما تستطيع أن تأتى قومك بما يسألونك؟ فقال لا أستطيع ، قالوا إن كنت لا تستطيع الخير فاستطع الشر ، فأسقط السماء كما زعمت علينا كسفا بالعذاب ، فقال عبد الله بن أمية المخزومي وأمه عمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم : لا والذي يحلف به ، لا أومن بك حتى تشدّ سلما فتصعد فيه ونحن ننظر إليك ، فتأتى بأربعة من الملائكة يشهدون لك بالرسالة ، ثم بعد ذلك لا أدرى أنؤمن بك أم لا؟.
فأمره الله بأن يرد عليهم بأن اقتراح الآيات ليس من وظيفة الرسل ، وإنما وظيفتهم البلاغ للناس.
ثم حكى عنهم شبهة أخرى وهى استبعادهم أن يرسل الله بشرا رسولا ، فأجابهم بأن أهل الأرض لو كانوا ملائكة لوجب أن تكون رسلهم من الملائكة ، لأن الجنس أميل إلى جنسه.
ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلّم على ما يلاقى من قومه ، بأن الهداية والإيمان بيد الله ولا قدرة له على شىء من ذلك ، ومن يظلل الله فلا هادى له ، وسيلقون جزاءهم نار جهنم بما كسبت أيديهم ودسّوا به أنفسهم من الكفر والفجور والمعاصي ، وإنكار البعث والحساب ، وهم يعلمون أن الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يعيدهم مرة أخرى ؛ ثم بين أنه لو أجابهم إلى ما طلبوا من إجراء الأنهار والعيون وتكثير الأموال واتساع المعيشة لما كان هناك من فائدة ، ولما أوصلوا النفع إلى أحد ، فالإنسان بطبعه شحيح كزّ بخيل.