روي بعض المفسرين والمحدثين عدة روايات عن فتنة سليمان ، وعن الجسد الذي ألقى على كرسيه ، كثير منها تقدح في النبوة ، وتتنافى مع العصمة التي أوجبها الله للأنبياء ، والتي عرفت من الدين بالضرورة إجماعا ، فضلا عن أنها تحط من مقام الاصطفاء الإلهي للنبوة والرسالة ، وكلها قصص وروايات باطلة وفاسدة عقلا ونقلا (١).
ولعل من أغرب وأنكر تلك الروايات ، ما رواه ابن أبي حاتم (٢) من أن سليمان عليهالسلام ، أراد أن يدخل الخلاء ، فأعطى الجرادة خاتمة ، وكانت أحب نسائه إليه ، فجاءها الشيطان بصورة سليمان فقال لها : هاتي خاتمي ، فظنته سليمان ، فأعطته إياه ، فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين ، وزادت بعض الروايات أنه تسلط حتى على نسائه (٣) ، وذهبت رواية ثالثة إلى أن الفتنة إنما كانت بسبب أن امرأته جرادة كانت تبكي على أبيها الذي قتله سليمان ، فأمر سليمان الشيطان فمثل لها صورة أبيها فكستها مثل كسوته ، وكانت تذهب إلى تلك الصورة بكرة وعشيا مع جواريها يسجدن لها ، فأخبر آصف سليمان بذلك فكسر الصورة وعاقب المرأة (٤) ، ثم خرج
__________________
(١) عويد المطرفي : المرجع السابق ص ١١٦.
(٢) مختصر تفسير ابن كثير ٣ / ٢٠٣ (هامش / ٢).
(٣) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٠٨ ، الدر المنثورة ٥ / ٣١٢ ، تاريخ الطبري ١ / ٤٩٩ ، ثم قارن : تفسير الطبري (٢٣ / ١٥٨) حيث يقول وسلط الشيطان على ملك سليمان كله غير نسائه ، وفي تفسير ابن كثير (٤ / ٥٥) أن المشهور عن مجاهد وغير واحد من أئمة السلف أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان ، بل عصمهن الله عزوجل منه تشريفا وتكريما لنبيّه عليهالسلام.
(٤) هذه الأسطورة لا ريب أنها منقولة عن توراة اليهود المتداولة اليوم ، والتي تزعم كذبا أن سليمان عليهالسلام قد ضم إلى حريمه مئات سبعة من الزوجات ، ومئات ثلاث من السراري ، وأنه كان طوع أمرهن ، حتى إنه أقام رغبة في مرضاتهن هياكل صغيرة ، ودورا لعبادة الآلهة الوثنية ، تقول التوراة «وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ، ولم يكن قلبه كاملا مع الرب كقلب أبيه داود ، فذهب سليمان وراء عشتاروت إلهة الصيدونيين وملكوم إله العمونيين ، وعمل سليمان الشرفي عيني الرب ، وبنى ـ