حوالي عام ٤٦٠ ق. م ، أي بعد وفاة سليمان (٩٦٠ ـ ٩٢٢ ق. م) بحوالي أربعة قرون (١) ، وأما ملك اليمن فأمره عجيب ، فالبعض خلط بين إسلام ملكة سبأ وبين خضوع دولتها لسليمان ، والبعض أعطى سليمان ملك اليمن ٣٢٠ سنة ، مع أن المؤرخين ، ومنهم صاحب هذا الرأي ، يجمعون على أن ملك سليمان لم يزد عن أربعين سنة ، وأنه مات ، وله اثنتان وخمسون سنة (٢) ، وأما إسلام ملكة سبأ فقد كان لله مع سليمان «قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين» ، وهكذا اهتدى قلبها واستنار ، وعرفت أن الإسلام لله وحده ليس استسلاما لأحد من خلقه ، حتى وإن كان هو سليمان ، النبي الملك صاحب المعجزات ، إنما الإسلام إسلام لله رب العالمين ، ومصاحبة للمؤمنين به والداعين إلى طريقه على سنة المساواة «وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين» وقد سجل السياق القرآني هذه اللفتة الأخيرة وأبرزها ، للكشف عن طبيعة الإيمان بالله والإسلام له ، فهي العزة التي ترفع المغلوبين إلى صف الغالبين ، بل التي يصبح فيها الغالب والمغلوب أخوين في الله لا غالب منهما ولا مغلوب ، وهما أخوان في الله رب العالمين على قدم المساواة (٣) ، ثم إن الذين يقولون بضم اليمن إلى مملكة سليمان إنما يخطئون في فهم دعوة الرسل ، فهم لا يريدون ملك الناس ودنياهم ، وإنما يريدون هدايتهم إلى عبادة الله وحده ، وإلى الإيمان بشرائعه ، كما أشرنا إلى ذلك من قبل في قصة سليمان مع ملكة سبأ.
وأما الدكتور الصليبي فلم يقدم لنا في دعواه أية أدلة علمية يمكن أن تؤيد مزاعمه التي تمس الدين والوطن ، سوى الزعم بأن هناك قرى في غرب
__________________
(١) أحمد فخري : دراسات في تاريخ الشرق القديم ص ٢٢٩ ، آرثر كريستنس : إيران في عهد الساسانيين ص ٨٠.
(٢) تاريخ اليعقوبي ١ / ٦٠ ، ١٩٦.
(٣) في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٤٣.