(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (١) ، إذ ترى جمهرة كبيرة من المفسرين والمؤرخين أن سياق الآيات الكريمة تفيد أن الزيادة التي أوتيها سليمان عليهالسلام في ملكه المعبر عنها بقوله تعالى : (مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) إنما هي إيتاؤه بعض المعجزات التي لم تكن لغيره من الأنبياء عليهمالسلام ، بدليل التعقيب عليه بقوله تعالى : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ ، وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) (٢) ، المتضمن استجابة الله تعالى لدعائه ، مفتتحا بالفاء الدالة على الربط والتعقيب والترتيب (٣) ، وهذا ما نميل إليه ونرجحه ، ويقول ابن الأثير أن سليمان عليهالسلام سأل الله أن يؤتيه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فاستجاب الله وسخر له الإنس والجن والشياطين والطير والريح ، فكان إذا خرج من بيته إلى مجلسه ، عكفت عليه الطير ، وقام له الإنس والجن حتى يجلس (٤) ، ويقول الطبري (٥) : وسخرت له الريح والشياطين يومئذ ، ولم تكن سخرت له من قبل (أي بعد أن جلس الشيطان على كرسيه) وهو قوله تعالى : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٦) ، ومن هنا فقد ذهب المسعودي إلى أن ملك سليمان كان أربعين سنة على فلسطين والأردن (٧) ، وقول ابن خلدون : إن سليمان قد ضرب الجزية على جميع ملوك الشام مثل فلسطين وعمون وكنعان ومؤاب
__________________
(١) سورة ص : آية ٣٥.
(٢) سورة ص : آية ٣٦ ـ ٣٧.
(٣) عويد المطرفي : المرجع السابق ص ١١٤ ـ ١١٥.
(٤) الكامل لابن الأثير ١ / ١٢٨.
(٥) تاريخ الطبري ١ / ٥٠١.
(٦) سورة ص : آية ٣٥.
(٧) مروج الذهب للمسعودي ١ / ٧٠ (بيروت ١٩٦٥).