سخرت له الريح والشياطين ولن يكون معجزة حتى يخرق العادات (١).
ويقول ابن كثير في تفسير الآية الكريمة : قال بعضهم : معناه لا ينبغي لأحد من بعدي ، أي لا يصح لأحد أن يسلبنيه بعدي ، كما كان من قضية الجسد الذي ألقى على كرسيه ، لا أن يحجر على من بعده من الناس ، والصحيح أنه سأل من الله تعالى ملكا لا يكون لأحد من بعده من البشر ، وهذا هو ظاهر السياق من الآية ، وبذلك وردت الأحاديث الصحيحة من طرق عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال البخاري عند تفسير هذه الآية ، حدثنا إسحاق إبراهيم أخبرنا روح ومحمد بن جعفر عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إني عفريتا من الجن تفلت على البارحة ، أو كلمة نحوها ، ليقطع على الصلاة ، فأمكنني الله تبارك وتعالى منه ، وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم ، فذكرت قول أخي سليمان عليه الصلاة والسلام : «رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي» ، قال روح : «فرده خاسئا» ، وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث شعبة به (٢).
هذا وقد قدم لنا الإمام الطبري عدة روايات في تفسير الآية الكريمة ، منها أن الله تعالى سخر لسليمان الريح والشياطين يومئذ ، ولم تكن سخرت له من قبل ذلك ، وهو قوله : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) ، لا يسلبنيه أحد ، كما سلبنيه قبل هذا الشيطان ، ومنها يقول تعالى ذكره : (فاستجبنا
__________________
ـ تكن إن شاء الله به رغبة في الدنيا ، ولكن إرادة منه أن يعلم منزلته من الله في إجابته فيما رغب إليه فيه ، وقبول توبته ، وإجابته دعائه».
(١) تفسير النسفي ٤ / ٤٣.
(٢) تفسير ابن كثير ٤ / ٥٦ ـ ٥٧ (ط بيروت ١٩٨٦) وانظر : صحيح البخاري ٦ / ١٥٦ ، صحيح مسلم ٢ / ٧٢ ، سنن النسائي ٣ / ١٣ ، مسند الإمام أحمد ٣ ك ٨٣.