غير أن يتركوا دينه ، وفي تفسير الطبري عن الحسن قال : ومر رجلان وهو على تلك الحال (يعني حال البلاء) ، ولا والله ما على ظهر الأرض يومئذ أكرم على الله من أيوب ، فقال أحد الرجلين لصاحبه : لو كان لله في هذا حاجة ما بلغ به هذا ، فلم يسمع أيوب شيئا كان أشد عليه من هذه الكلمة ، وفي رواية أخرى ، قال أحدهما لصاحبه : لو كان الله علم في أيوب خيرا ما ابتلاه بما أرى ، فما جزع أيوب من شيء أصابه جزعه من كلمة الرجل ، وبلغ من شدة البلاء أيضا أن امرأته اضطرتها الحاجة ، بعد العز والجاه ، إلى أن تخدم الناس في بيوتهم ، لتطعم زوجها ، وليت المصاب اقتصر على ذلك ، فإن الناس ما لبثوا أن كفوا عن استخدامها ، لئلا ينالهم من بلاء يعقوب شيء ، أو تنقل إليهم عدوى أمراضه ، فلما لم تجد أحدا يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير ، فأتت به أيوب ، فقال : من أين لك هذا وأنكره ، فقالت خدمت به أناسا ، فلما لم تجد في الغد أحدا باعت الضفيرة الأخرى بطعام ، فأتت به فأنكره أيضا وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام ، فكشفت عن رأسها خمارها ، فلما رأى رأسها محلوقا قال في دعائه : «أني مسني الضرّ وأنت أرحم الراحمين» ، وفي رواية أن أيوب عليهالسلام كان إذا أراد أن يتحرك على فراشه تعلق بتلك الذؤابة ، فلما لم يجد الذؤابة وقعت الخواطر المؤذية في قلبه واشتد غمه (١).
وكان نبي الله أيوب عليهالسلام ، في كل ذلك ، في غاية الصبر ، وبه يضرب المثل في ذلك ، روى أن أبي حاتم عن يزيد بن ميسرة قال : لما ابتلى الله أيوب عليهالسلام بذهاب الأهل والمال والولد ، ولم يبق له شيء أحسن الذكر ، ثم قال : أحمدك رب الأرباب الذي أحسنت إليّ ، أعطيتني المال
__________________
١) تفسير روح المعاني ١٧ / ٨٠ تفسير الطبري ١٧ / ٧١ ، تاريخ الطبري ١ / ٣٢٤ ، تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠٧ ، ٢٦ / ٢١٤ ، ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣.