القريب والبعيد ، غير زوجته ، إلا رجلان كانا يغدوان ويروحان إليه ، فجاءا يوما فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه ، فقاما من بعيد ، فقال أحدهما للآخر : لو كان الله علم من أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا ، فجزع أيوب من قولهما جزعا لم يجزع من شيء قط ، فقال اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان وأنا أعلم مكان جائع فصدقني ، فصدق من في السماء وهما يسمعان ، ثم قال اللهم أن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط ، وأنا أعلم مكان عار ، فصدقني ، فصدق من في السماء وهما يسمعان ، ثم قال اللهم بعزتك ثم خر ساجدا ، فقال اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبدا حتى تكشف عني ، فما رفع رأسه حتى كشف عنه» (١).
وتذهب رواية أخرى إلى أن الشيطان وسوس إلى زوجته لو أن أيوب ذبح لي أو سجد أو أكل طعاما ولم يسم الله تعالى لعوفي مما هو فيه من البلاء ، وفي رواية ثالثة أنه قال : لو شئت فاسجد لي سجدة واحدة حتى أرد عليك المال والولد ، وأعافي زوجك ، فرجعت إلى أيوب فأخبرته بما قال لها ، فقال لها أيوب : أتاك عدو الله ليفتنك عن دينك ، ثم أقسم لئن عافاني الله لأجلدنك مائة جلدة ، وقال عند ذلك «مسني الضر» يعني طمع إبليس في سجودي له وسجود زوجتي ودعائه إياها وإياي إلى الكفر ، وفي رواية رابعة قال وهب : كانت امرأة أيوب عليهالسلام تعمل للناس وتأتيه بقوته ، فلما طال عليه البلاء سئمها الناس فلم يستعملوها ، فالتمست ذات يوم شيئا من الطعام فلم تجد شيئا ، فجزت قرنا من رأسها فباعته برغيف فأتته به ، فقال لها : أين قرنك ، فأخبرته بذلك ، فحينئذ قال : «مسني الضر» ، وفي رواية خامسة قال إسماعيل السّدى لم يقل أيوب : «مسني الضر» إلا لأشياء ثلاث : أحدهما : قول الرجلين له لو كان عملك الذي كنا نرى لله تعالى لما أصابك
__________________
(١) تفسير ابن كثير ٣ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، وانظر : تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠٦.