الذي أصابك ، وثانيهما : كان لامرأته ثلاث ذوائب ، فعمدت إلى احداها وقطعتها وباعتها فأعطوها بذلك خبزا ولحما فجاءت إلى أيوب عليهالسلام فقال من أين هذا؟ فقالت كل فإنه حلال ، فلما كان من الغد لم تجد شيئا فباعت الثانية ، وكذلك فعلت في اليوم الثالث ، وقالت : كل فإنه حلال ، فقال لا آكل ما لم تخبريني فأخبرته ، فبلغ ذلك من أيوب ما الله به عليم ، وقيل إنما باعت ذوائبها لأن إبليس تمثل لقوم في صورة بشر وقال : لئن تركتم أيوب في قريتكم ، فإني أخاف أن يعدي إليكم ما به من العلة فأخرجوه إلى باب البلد ، ثم قال لهم إن امرأته تدخل بيوتكم وتعمل وتمس زوجها ، أما تخافون أن تعدي إليكم علته ، فحينئذ لم يستعملها أحد فباعت ضفيرتها ، وثالثها : حين قالت له امرأته ما قالت ، وأخيرا هناك رواية سادسة ذهبت إلى أن إبليس أتاها في هيئة عظيمة فقال لها : أنا إله الأرض فعلت بزوجك ما فعلت لأنه تركني وعبد إله السماء ، فلو سجد لي سجدة رددت عليه وعليك جميع ما أخذت منكما (١).
على أن كثيرا من العلماء يرفضون معظم هذه الروايات فهي مشوبة بالإسرائيليات التي تطغى عليها ، هذا فضلا من أن انتهاء هذا المرض الذي أصيب به أيوب إلى حد التنفير عنه غير جائز ، لأن الأمراض المنفرة غير جائزة على الأنبياء عليهمالسلام ، وقد قرر علماء التوحيد أن الأنبياء منزهون عن الأمراض المنفرة ، فكيف يتفق هذا مع منصب النبوة ، والصحيح أن المرض الذي ألم بأيوب عليهالسلام لم يكن مرضا منفرا ، وليس فيه شيء من هذه الأقوال العليلة وإنما هو مرض طبيعي ولكنه استمر به سنين عديدة ، وهو أجل طويل لا يصبر عليه عادة لإنسان ، ثم إن بلاءه لم يكن في جسمه فحسب ، بل شمل المال والأهل والولد (٢) ، ولهذا قال تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠٦ ـ ٢٠٨ ، تفسير روح المعاني ١٧ / ٨٠.
(٢) الصابوني : النبوة والأنبياء ص ٢٦٧.