مَعَهُمْ) ، ومن ثم فالحد المأمول من هذه القصة ، كما يقول صاحب الظلال ، أن أيوب عليهالسلام كان ، كما جاء في القرآن ، عبدا صالحا أوابا ، وقد ابتلاه الله فصبر صبرا جميلا ، ويبدو أن ابتلاءه كان بذهاب المال والأهل والصحة جميعا ، ولكنه ظل على صلته بربه وثقته به ورضاه بما قسم له ، وكان الشيطان يوسوس لخلصائه القلائل الذين بقوا على وفائهم له ، ومنهم زوجته ، بأن الله لو كان يحب أيوب ما ابتلاه ، وكانوا يحدثونه بهذا فيؤذونه في نفسه أشد مما يؤذيه الضر والبلاء ، فلما حدثته امرأته ببعض هذه الوسوسة حلف لئن شفاه الله لئن يضربنها عدد أعينه ، قيل مائة (١).
وعلى أية حال ، فلقد استجاب الله تعالى لدعاء عبده أيوب ، فرفع عنه الضر في بدنه ، فإذا هو معافى صحيح ، ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم ، ورزقه مثلهم ، وقيل هم أبناؤه فوهب الله له مثليهم أو أنه وهب له أبناء وأحفادا (٢) ، يقول تعالى : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ ، وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٣) ، فأما قوله تعالى : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) ، أي اضرب الأرض ، وهي أرض الجابية فيما يروي عن قتادة ، برجلك ، فامتثل ما أمر به فأنبع الله له عينا باردة الماء ، وأمر أن يغتسل فيها ويشرب منها ، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض الذي كان في جسده ظاهرا وباطنا ، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة وجمالا تاما (٤).
وقال بعض المفسرين نبعث له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب
__________________
(١) في ظلال القرآن ٥ / ٣٠٢١.
(٢) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٩٢.
(٣) سورة ص : آية ٤٢ ـ ٤٤.
(٤) البداية والنهاية ١ / ٢٢٤.