الأخرى ، فذهب الداء من ظاهره ومن باطنه بإذن الله ، وقيل ضرب برجله اليمنى فنبعت عين حارة فاغتسل منها ، ثم اليسرى فنبعت عين باردة فشرب منها ، فذهب الداء من ظاهرة وباطنة بإذن الله تعالى ، وكساه الله حله ، ثم خرج فجلس على مكان مشرف ، وأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه فلم تجده ، فقامت كالوالهة متلددة ، ثم قالت : يا عبد الله ، هل لك علم بالرجل المبتلي الذي كان هاهنا ، قال : لا ، ثم تبسم ، فعرفته بضحكه ، فاعتنقته ، وفي الحديث الذي رواه ابن شهاب عن أنس بن مالك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وكان يخرج إلى حاجته ، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها ، وأوحى إلى أيوب في مكانه «أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب» ، فاستبطأته ، فتلقته تنظر ، فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء ، وهو على أحسن ما كان ، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك ، هل رأيت نبيّ الله هذا المبتلي ، فو الله على ذلك ما رأيت أحدا أشبه به منك إذ كان صحيحا؟ قال : «فإني أنا هو» (١).
هذا ويذهب بعض المفسرين إلى أن الله تعالى ، بعد أن أذهب عن أيوب كل آلامه ، وعاد إليه شبابه وجماله ، كأحسن مما كان وأفضل ، جعل يتلفت ولا يرى شيئا مما كان له من أهل ومال ، إلا وقد أضعفه الله له ، حتى أن الماء الذي اغتسل به ، تطاير على صدره جرادا من ذهب ، قال : فجعل يضمه بيده ، أخرج الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بينما أيوب يغتسل عريانا خرّ عليه جراد من ذهب ، فجعل أيوب عليه الصلاة والسلام يحثو في ثوبه ، فناداه ربه عزوجل ، يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ، قال عليه الصلاة والسلام : بلى يا رب ، ولكن لا غنى بي عن
__________________
(١) تفسير الطبري ١٧ / ٦٨ ـ ٧٢ ، ٢٣ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٦٠ ، تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢١٤ ـ ٢١٥ ، تفسير روح المعاني ١٧ / ٨١ ، تفسير النسفي ٤ / ٤٣.