وظل الأمر كذلك حتى بعث الله تعالى خاتم النبيين وسيد المرسلين سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم بالرسالة العامة ، ونزل القرآن الكريم ليبّين للناس أن النصارى على فرق ثلاثة في عقيدتهم في المسيح ، عبد الله ورسوله إلى بني إسرائيل ففرقه تزعم أنه الله ، وأخرى تؤمن بعقيدة التثليث ، وثالثة تزعم أنه ابن الله.
١ ـ تزعم الفرقة الأولى أنه الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وأن الله تعالى تجسم وتجسد في صورة يسوع المسيح ونزل إلى الأرض ليخلص الناس من آثامهم ، وإلى هذا الفريق يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ، وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (١) ، ويقول تعالى : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) (٢) ، ويقول تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ، قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (٣) ، ويقول تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ ، وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ، وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (٤).
وهكذا يفرق القرآن الكريم بين ذات الله تعالى وطبيعته ومشيئته وسلطانه ، وبين ذات عيسى ، عليهالسلام ، وكذا ذات أمه ، وكل ذات أخرى ، في نصاعة قاطعة حاسمة ، فذات الله ، سبحانه وتعالى ، واحدة ،
__________________
(١) سورة المائدة : آية ٧٢.
(٢) سورة المائدة : آية ٧٥.
(٣) سورة المائدة : آية ١٧.
(٤) سورة النساء : آية ١٧٢.