ومشيئته مطلقة ، وسلطانه متفرد ، ولا يملك أحد شيئا في رد مشيئته أو دفع سلطانه ، إن أراد أن يهلك المسيح وأمه ومن في الأرض جميعا ، وهو سبحانه وتعالى ، مالك كل شيء ، وخالق كل شيء ، والخالق غير المخلوق ، وكل شيء مخلوق : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، وكذلك تتجلى نصاعة العقيدة الإسلامية ، ووضوحها وبساطتها ، وتزيد جلاء أمام ذلك الركام من الانحرافات والتصورات والأساطير والوثنيات والمتلبسة بعقائد فريق من أهل الكتاب ، وتبرز الخاصية الأولى للعقيدة الإسلامية في تقرير حقيقة الألوهية ، وحقيقة العبودية ، والفصل التام الحاسم بين الحقيقتين ، بلا غبش ولا شبهة ولا غموض (١).
٢ ـ يز عم الفريق الثاني أن الله ثالث ثلاثة : وهذا الفريق هو الذي يعتقد بعقيدة التثليث ، وهي عقيدة تزخر بمزاعم وأضاليل وأباطيل ، فهي تزعم أن الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، ثالث ثلاثة (٢) ، وأنه ثلاثة أصول (أقانيم) متساوية : الله الأب والله الابن ، والله الروح القدس ، فالمسيح عيسى ابن مريم إله ، وهو ابن إله ، وفي الوقت نفسه هو بشر وإله ، هو لاهوت وناسوت ، هو الله وابن الله ، وأصل من الأصول الثلاثة المكونة لله ، ويصدر القرآن الكريم حكمه في هذه العقيدة ، فيحكم بكفر من اعتنقها واعتقد
__________________
(١) في ظلال القرآن ٢ / ٨٦٦.
(٢) يحكي المتكلمون عن النصارى أنهم يقولون : جوهر واحد ، ثلاثة أقانيم ، أب وابن وروح القدس ، وهذه الثلاثة إله واحد ، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة ، وعنوا بالأب الذات ، وبالابن الكلمة ، وبالروح الحياة ، وأثبتوا الذات والكلمة والحياة ، وقالوا : إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالخمر ، واختلاط الماء باللبن ، وزعموا أن الأب إله ، والابن إله ، والروح إله ، والكل واحد ، واعلم إن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل فإن الثلاثة لا تكون واحدا ، والواحد لا يكون ثلاثة (تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٦٠).