يحبونه ، فما قدر على إيصال نفع من منافع الدنيا إليهم ، والعاجز عن الإضرار والنفع ، كيف يعقل أن يكون إلها ، والثاني أن مذهب النصارى أن اليهود صلبوه ومزقوا أضلاعه ، ولما عطش وطلب الماء منهم ، صبوا الخل في منخريه ، ومن كان في الضعف هكذا ، كيف يعقل أن يكون إلها ، والثالث : أن إله العالم يجب أن يكون غنيا عن كل ما سواه ، ويكون كل ما سواه محتاجا إليه ، فلو كان عيسى كذلك لامتنع كونه مشغولا بعبادة الله تعالى ، لأن الإله لا يعبد شيئا ، إنما العبد هو الذي يعبد الإله ، ولما عرف بالتواتر كونه كان مواظبا على الطاعات والعبادات ، علمنا أنه إنما كان يفعلها لكونه محتاجا في تحصيل المنافع ودفع المضار إلى غيره ، ومن كان كذلك ، كيف يقدر على إيصال المنافع إلى العباد ودفع المضار عنهم ، وإذا كان كذلك كان عبدا كسائر العبيد ، وهذا هو عين الدليل الذي حكاه الله تعالى عن إبراهيم عليهالسلام ، حيث قال لأبيه : (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (١).
ثم إن الإله موجود ، واجب الوجود لذاته ، ويجب ألا يكون جسما ولا متحيزا ولا عرضا ، وعيسى عليهالسلام عبارة عن هذا الشخص البشري الجسماني الذي وجد بعد أن كان معدوما ، وقتل بعد أن كان حيا على قول النصارى ، وكان طفلا أولا ثم صار مترعرعا ثم صار شابا ، وكان يأكل ويشرب ويحدث وينام ويستيقظ ، وقد تقرر في بداهة العقول أن المحدث لا يكون قديما ، والمحتاج لا يكون غنيا ، والممكن لا يكون دائما ، كما أن النصارى يقولون بأن اليهود أخذوه وصلبوه وتركوه حيا على الخشبة ، وقد مزقوا ضلعه ، وأنه كان يحتال في الهرب منهم ، وفي الاختفاء عنهم ، وحين عاملوه بتلك المعاملات أظهر الجزع الشديد (٢) ، فإذا كان إلها أو أن الإله كان حالا فيه ،
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٦٢.
(٢) جاء في إنجيل متى (٢٧ / ٤٦ ـ ٥٠) «وصرح يسوع بصوت عظيم قائلا : إيلي إيلي لما ـ