أو كان جزءا من الإله حال فيه فلم لم يدفعهم عن نفسه؟ ولم لم يهلكهم بالكلية؟ وأي حاجة به إلى إظهار الجزع منهم ، والاحتيال في الفرار منهم؟ كما يظهر بطلان القول بألوهية المسيح مما ثبت بالتواتر من أن عيسى عليهالسلام كان عظيم الرغبة في العبادة والطاعة لله تعالى ، ولو كان إلها لاستحال ذلك ، لأن الإله لا يعبد نفسه ، ثم لو كان المسيح حقا إلها ، وقد قتله اليهود وصلبوه ، فهذا يعني أن اليهود قتلوا إله العالم ، فكيف بقي العالم بعد ذلك من غير إله ، ثم إن اليهود إنما هم أشد الناس ذلا ودناءة ، ومن ثم فإن الإله الذي تقتله اليهود إنما هو إله فى غاية العجز (١).
هذا ويسجل القرآن الكريم أن دعوة المسيح عيسى بن مريم رسول الله ، إنما كانت إلى التوحيد الكامل يقول تعالى : (وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٢) وقال تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ، إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٣).
__________________
ـ شبقتني ، أي إلهي إلهي لما ذا تركتني ، فقوم من الواقفين هناك لما سمعوا قالوا إنه ينادي إيليا ، وللوقت ركض واحد منهم وأخذ اسفنجة وملأها خلا ، وجعلها على قصبة وسقاه ، وأما الباقون فقالوا : اترك لنرى هل يأتي إيليا يخلصه ، فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وأسلم الروح».
(١) تفسير الفخر الرازي / ٧٨ ـ ٧٩.
(٢) سورة المائدة : آية ٧٢.
(٣) سورة المائدة : آية ١١٦ ـ ١١٧ ، وانظر : تفسير روح المعاني ٧ / ٦٤ ـ ٧٠ ، تفسير ابن كثير ٢ / ١٩٢ ـ ١٩٥ ، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ١٣٣ ـ ١٣٧ ، تفسير النسفي ١ / ٣١٠ ـ ٣١١ ، تفسير البحر المحيط ٤ / ٥٨ ـ ٥٩.