ويقول الألوسي (١) : استشكلت الآية بأنه لا يعلم أن أحدا من النصارى اتخذ مريم عليهاالسلام إلها ، وأجيب عنه بأجوبة ، الأول : أنهم لما جعلوا عيسى عليه الصلاة والسلام إلها ، ألزمهم أن يجعلوا والدته أيضا كذلك لأن الولد من جنس من يلده فذكر «إلهين» على طريق الإلزام لهم ، والثاني : أنهم لما عظموها تعظم الإله أطلق عليها اسم الإله (٢) ، كما أطلق اسم الرب على الأحبار والرهبان في قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) ، كما أنهم عظموهم تعظيم الرب ، والثالث : أنه يحتمل أن يكون فيهم من قال بذلك (٣).
وأيا ما كان الأمر ، فإن النصوص القرآنية ستظل أبد الدهر ، بما تحمل من قول المسيح ، أو اعترافه ، إن جاز هذا التعبير ، بأنه بشر يتبرأ من دعوى الألوهية ، وينفي ما لصقه به المنحرفون والمخرفون من أتباعه وأشياعه ، وبأن علمه محدود ، وأجله محدود ، وأنه عبد الله ورسوله ، لا يبلغ إلا ما أمر الله مولاه أن يبلغه ، وكذا بما تحمل من دلائل على جوهر المسيحية ، الحقة ، ونقائها ، ستظل مسجلة على أهل التثليث غلوهم وكفرهم ، ولعلهم ، إن كانوا أتباع المسيح حقا ، أن يثوبوا إلى عقيدته الحقة (٤) ، وأن يؤمنوا بما بشر به ، سيدنا محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وما أنزل عليه ، فقد جاء في الحديث الشريف قوله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي أو نصراني ، ولا يؤمن بي إلا دخل النار» (٥).
ومن عجب أن أناجيل النصارى إنما تشير إلى غير ما يزعمون ، فهناك
__________________
(١) تفسير روح المعاني ٧ / ٦٥.
(٢) انظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ١٣٤.
(٣) أنظر : ديتلف نلسن وآخرون : التاريخ العربي القديم ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣.
(٤) محمود بن الشريف : المرجع السابق ص ١٩٢.
(٥) صحيح مسلم ١ / ٣٦٧ (القاهرة ١٩٧١).